عرض مشاركة واحدة
قديم 03-24-2020, 09:05 PM   #10


الصورة الرمزية مديح ال قطب
مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





إن نسيج المجتمع يبدأ بالعَلاقة الشرعية التي أرادها الخالق للبشرية؛ حيث قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، فلقد بدأ هذا النسيج الاجتماعي من نفس واحدة؛ دلالةً على وحدة هذا النسيج وترابطِ أواصره، ويؤكد ربُّ العزة على نوع الرابطة بين طرفَي هذا النسيج في منبته الأول، بقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، هذه المودَّة وهذه الرحمة التي تنبع من النبع الصافي؛ مِن الحب الكلي الذي هو لله عز وجل.

لقد كفل الإسلام العدلَ بين الرجل والمرأة، فقد كلف كلًّا منهما حسب طبيعته وقدراته واستعداداته التي خلقه الله بها، فلم يكلِّف الإسلام المرأة بالعمل الشاقِّ والسعي على الرزق مثل الرجل، إلا في حالات الضرورة القصوى عندما لا تجد مَن يعولها، فليس من العدل أن تُطالَب المرأة بالخروج للعمـل مساواةً مع الرجل وهي التي خصَّها الله عز وجل بالحمل والولادة ورعاية الأطفال؛ من رضاعة وحنان ونظافة، فمن الظلم أن نطالبها بالعمل خارج منزلها وهي تقوم بكل هذا، ولكن من العدل أن يتكفَّل الرجل بالعمل والسعي للإنفاق عليها وعلى الأطفال، وهنا يقول الله عز وجل: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 233].

ولقد ذهب الإسلام في عدله أن كلف الوارثَ النفقة على المرأة في حالة عدم وجود المولود له.
وإذ كان الرجل مكلَّفًا بالإنفاق على المرأة وعلى بيته وأولاده، كان عدل الله عز وجل في أن يكون نصيبُه في الميراث ضِعفَ نصيب المرأة، فما يأخذه الرجل من الميراث ينفقه على الزوجة والأولاد، فبذلك يعود إليها مرة أخرى في صورة النفقة عليها من زوجها أو أبيها، أما النصف الذي تأخذه من الميراث، فلم يكلِّفها الشرع أن تنفق منه على أحد، إلا على نفسها فى حالة عدم وجود مَن يعولها.

كما أن الإسلام لم يُكلِّف المرأة بالخروج للعمل والسعي على الرزق مثل الرجل، إلا في حالات الضرورة، وتكليف الرجل بالإنفاق عليها فيه العديد من المزايا لها وللرجل في نفس الوقت؛ ففيه حفاظٌ على أنوثة المرأة ورقَّتها وعاطفتها التي تعتز بها المرأة، وتختص بها كما خلقها الله، والتي يريدها الزوج منها أيضًا؛ لتكون سكنًا له بأنوثتها ورقتها وعاطفتها، وهو سكن لها بالإنفاق عليها والحفاظ على كرامتها، ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، فبهذا تتولَّد المحبة والمودة والرحمة بينهما.

كما أنه من عدله أن جعل القوامة للرجل على المرأة، ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34].
فأوضحت الآية سبب هذه القوامة للرجل على المرأة، فهو المكلف بالإنفاق، كما أنه أكثر تعقلًا واتِّزانًا من المرأة التي خصَّها الله بالعاطفة، وهذه الأسباب هي نفسها التي أدَّت إلى أن جعل الله تعالى شهادة الرجل مقدَّمة على شهادة المرأة، وفي حالة عدم توفر رجلينِ للشهادة، فتكون شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد، ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282].

كما قدَّم الإسلام حسنَ مصاحبة الولد لأمِّه على أبيه، فعندما جاء رجل إلى رسول الله يسأله: مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: ((أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أمك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أمك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أبوك))؛ [البخاري].

كما حث الإسلام على أخذ رأي المرأة فيمَن تتزوَّجه وعدم إكراهها على الزواج من أحد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُنكح الثيب حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذن، وإذنها الصموت))؛ [الترمذي]، ومهر المرأة فريضة على الرجل؛ قال تعالى: ﴿ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24]، والتعامل معها في جميع الأحوال لا بد أن يكون بالمعروف؛ قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وقال: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231].

كما أن زواج المرأة لا بد أن يكون موثقًا بعقد غليظ؛ للحفاظ على حقوق المرأة التي لها عند الرجل، والدولة هي المسؤولة عن تنفيذ هذه الحقوق على الرجل، وهذا لا يتوفر في غالب الدول غير الإسلامية؛ حيث يعاشر الرجل المرأة وينجب منها الأولاد، وهي ليست زوجة له، بل تُسمَّى (صاحبته)، وليس عليه أي تكاليف للإنفاق عليها وعلى الأولاد، بل تتكفل هي بكل هذا، وله فقط أن يستمتع بها، وهذا هو شأن دول الكفر، التي تدَّعي أنها دول حضارية، وأنها صاحبة حقوق الإنسان وحريته.

ونتيجة فَقْد المرأة في الغرب لِمَن يعولها وأولادها، خرجت إلى العمل مرغمة، ورغم هذا فهي تأخذ نصفَ راتب الرجل في نفس العمل، كما استغلَّها الرجل استغلالًا قذرًا، فهو يقدمها في بعض الأعمال على الرجل، وبخاصة في المتاجر والسفارات والقنصليات، وفي أعمال الإذاعة والتليفزيون ونحوها، فيجب ألا نغفل عن المعنى الكريه الخبيث في هذا التقديم، إنه معنى النخاسة والرق في جو من دخان العنبر والأفيون، إنه استغلال للحاسَّة الجنسية في نفوس الزبائن، فصاحب المتجر مثل الدولة التي تُعيِّن النساء في السفارات والقنصليات، كشركة السياحة التي تعين مضيفات، وكصاحب الجريدة الذي يدفع المرأة ويعرف كيف تحصل المرأة على النجاح في هذه الميادين، ويعلم ماذا تبذل للحصول على هذا النجاح! فإن لم تبذل هي شيئًا - وهذا فرض بعيد - فهو يدرك أن شهوات جائعة وعيونًا خارقة تلتفُّ حول جسدها وحول حديثها، وهو يستغل ذلك الجوع للكسب المادي والنجاح الصغير؛ لأن المعاني الإنسانية منه بعيدة بعيدة!

ومن هنا كثر الاعتداء على المرأة التي أصبحت سلعةً، مع اغتصابها واغتصاب حقوقها في دول الغرب، مما دعا بها إلى أن تُنادي بالمساواة بالرجل، وللأسف فقد انخدَعَت الغافلات في بلادنا بما تنـادي المـرأة فـي الغرب، ولم تعرف السبب الذي مِن ورائه كانت هذه المناداة، فالمرأة في الغرب تنادي بأن يكون لها حقوق كما للمرأة عندنا، والمرأة عندنا تنادي بأن يكون حالها مثل حال المرأة في الغرب، ويا لها مِن غرابة!

لقد خرجَتِ المرأة في الغرب لتعملَ مِن أجل أن تأكل وتعيش، فلما رأَتِ الإجحاف والظلم طلبَتِ المساواة في الأجور، فلما لم تستطع - لأن القوانين التي تحكم المجتمع مِن صنع الرجال، وليست كما في الإسلام مِن صنع الله تعالى، الذي يعدل بين الرجل والمرأة - طالبَت بحق التصويت ودخول المجالس التشريعية والنيابية؛ ليكون لها صوت في هذه المجالس؛ لعلها تحصل على حقوقها.

إن الإسلام ينظر إلى الحياة نظرةً متناسقة، فللرجل وظيفته، وللمرأة وظيفتها، وكلاهما يسهم في تنمية الحياة وترقيتها وَفْقَ شرع الله تعالى.
وإن المرأة في مجتمعنا المسلم تخطئ اليوم في حقِّ نفسها، وزوجها، وأبنائها، ومجتمعها، وربها، عندما تحطُّ مِن قيمة وظيفتها الأساسية كمربية لأبنائها، وراعية لزوجها وبيتها، وعندما تنظر إلى هذه الأعمال على أنها دُونية، لا تليق بها ولا تتفق مع قدراتها وإمكانياتها، فتنشئةُ الطفل السعيد الناجح الفاضل ذي الخُلُق العظيم - عملٌ أعقد وأدق وأهم بكثير جدًّا من عمل مهندس في محطة للفضاء، أو خبير في معمل أبحاث، أو طبيب ناجح؛ فبناءُ الإنسان أعقدُ وأعظم من بناء المصانع، ومَن يرى غير ذلك فعليه أن ينظر إلى حالة الفوضى والضياع التي صار إليها أطفال وشباب هذا الجيل، الذين هم نتاج المرأة الموظفة، فقد انتشر بينهم تعاطي المخدِّرات، وحوادث الاغتصاب، والسرقة والقتل، والأمراض النفسية والعصبية، وكل هذا نتيجة حرمانهم من عاطفة الحب والحنان، والعناية والرعاية من جانب الأمهات؛ لانشغالهن بالوظيفة.

وهذا لا يعني أن الإسلام يمنعُ المرأة مِن العمل خارج المنزل، فهناك مِن الأعمال التي يجب أن تقوم بها المرأة مثل تعليم بنات جنسها، والرعاية الصحية والطبية لهن، وأيُّ عمل شرعي تقوم به المرأة خارج منزلها ويناسب طبيعتها - لا حرج فيه، على ألا يكون فيه اختلاط بالرجال، ويكون خروجها آمنًا، وليس على حساب دَورها كرَبَّة أسرة.

وعلى ذلك لا بد أن نربي أولادنا في مناهجنا التعليمية على ما يلي:
1- تعريف التلاميذ بالخصائص التي اختص بها الله تعالى الرجلَ بخلاف المرأة، والخصائص التي اختص بها الله المرأة دون الرجل، والأدوار الاجتماعية والحياتية التي تخص كلًّا منهما نتيجة اختلاف الخصائص، وأن هذا الاختلاف في الأدوار يحقق تكامل كل منهما للآخر في الحياة، وهي سنة الله تعالى في الخلق، وليس تفضيلًا لأحد على الآخر.

2- تعريف التلاميذ حقوق وواجبات كل مِن الرجل والمرأة تجاه الآخر، التي شرعها الله تعالى، وأنه يجب احترام كل واحد منهما للآخر طبقًا لخصائصه.

3- تعريف التلاميذ بما يحاك لأمتِنا من الدول غير الإسلامية، لإفساد المجتمع بالخروج عن الأدوار الخاصة بكل جنس، وإفساد الفطرة التي فطر الله الرجل والمرأة عليها، وبيان أساليب أعوان الشيطان في ذلك، وما تبثُّه وسائل الإعلام المختلفة بهذا الخصوص، وبما يسمَّى تحرير المرأة.

4- تعريف التلاميذ بأن الإسلام قد شرع للرجل والمرأة حقوقًا لم توجد في أي مجتمع غير مسلم، وبيان أهمية التمسُّك بما شرعه الإسلام بهذا الخصوص.

5- تعويد التلاميذ من الجنسينِ على المحافظة على العادات والتقاليد والقيم الإسلامية الخاصة بالجنسين داخل المدرسة وخارجها، وأن يكون المعلم أو المعلمة قدوةً حسنة للتلاميذ والتلميذات في السلوك والمظهر، والعادات والتقاليد والقِيم الإسلامية.

6- الاهتمام بالتربية الأسرية وعَلاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض في ضوء القرآن والسنة.
كما يجب على وسائل الإعلام أن تقوم بدورها في هذا المجال؛ لتحقيق ترابط نسيج المجتمع من طرفيه (الرجل والمرأة)، بدلًا من أن تكون هي المِعْوَلَ الذي يُفتِّتُ أواصر المجتمع ببثِّ ما يخالف ذلك.



 
 توقيع : مديح ال قطب



إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى
فاعلم أنك عزيز عنده .. وأنك عنده بمكان



رد مع اقتباس