الموضوع: الحقيبــــة....
عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 07-01-2020, 02:40 AM
عطر الزنبق متواجد حالياً
Morocco     Female
Awards Showcase
لوني المفضل White
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل : 27-05-2018
 فترة الأقامة : 2161 يوم
 أخر زيارة : 04-23-2024 (02:03 AM)
 العمر : 28
 المشاركات : 99,288 [ + ]
 التقييم : 34900
 معدل التقييم : عطر الزنبق تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الحقيبــــة....



الحقيبــــة.
سعيد شاب هاجر من القرية إلى المدينة ، جرب قسوة العيش و مرارتها ، حرث الأرض بأظافره ، حصد الزرع بمنجله القديم ، رعى الغنم ، جلب الماء من قعر البئر المليئ بالعلق.
في مدخل المدينة انبهر بألوان منازلها المزركشة بالفسيفساء ، المقاهي تعرض خدماتها لمختلف الزبائن ، السيارات الفارهة تجوب الشوارع جيئة وذهابا ، نساء المدينة جميلات أنيقات ، أما نساء القرية فقد اختلط لونهن بلون تراب الأرض.
التقى سعيد بابن عمه خالد الذي يكبره بعقد من الزمن ، اشتغل معه في البناء ، يحمل الاجور ويخلط الاسمنت بالرمل ، يعود إلى غرفته منهكا من شدة التعب، لقد اعتقد أن المدينة ستستقبله بالورود و الياسمين فاتحة دراعيها لاحتضانه ، اعتقد أن سكان المدينة يجمعون المال في أكياس من البلاستيك .
جرب المعاناة وصعوبة الحياة فالانسان في المدينة مهم بقدر رصيده في البنك .
صاحب المشروع من أثرياء المدينة ، حاول سعيد التقرب منه ، يسلم عليه ، يحني هامته يرفع عينيه محدقا فيه ، يبتسم في وجهه ، لكن أصحاب المال لا يهمهم الابتسامة وربط علاقات صداقة مع العمال إنهم يريدون الإخلاص في العمل ولا شيئ غير ذلك.
في اخر الأسبوع يأخذ سعيد راتبه الهزيل الذي لا يكفيه لسداد ديون البقال ، يخجل من الاتصال بأهله في القرية خوفا من مطالبته بمساعدتهم على تكاليف العيش.
انغلقت الأبواب في وجهه، خطر بباله التربص بصاحب المشروع وسرقة حقيبته السوداء المليئة بالأوراق النقدية، أسئلة كثيرة تراوده ، مخططات جهنمية تحتاج إلى من يساعده على تنفيدها، فكر مليا في الاتفاق مع ابن عمه لكنه خشي أن يرفض ويرجعه إلى القرية ، في النهاية قرر القيام بهذه الجريمة بمفرده ، إما الغنى وإما السجن لأن الحياة التي يعيشها هي في حد ذاتها سجن.
في يوم من أيام الصيف الحار ، اختبأ بجانب مخزن مواد البناء، ضرب صاحب المشروع على رأسه هوى على الأرض ميتا ارتمت الحقيبة بجانبه ، حملها سعيد بكلتا يديه وضمها إلى صدره وهرب إلى مكان بعيد حفر حفرة وطمر فيها الحقيبة.
رجع إلى مسرح الجريمة وقف على جثة قتيله ضرب يدا بيد متوعدا من قتل رب العمل البريئ الذي يساعد الفقراء و المساكين ، يردد هذه الكلمات وشفتاه ترتجفان من شدة هول المشهد.
استمر سعيد في مهمته كمساعد لعامل البناء ، يحمل الاجور و أكياس الاسمنت الثقيلة ،لا يريد فتح الحقيبة لكي لا يثير انتباه زملائه في العمل وشكوك الشرطة،يصبر قليلا من الوقت وبعد ذلك يفتح الحقيبة و يستولي على الغنيمة بمفرده ثم يرتاح من هذه المهمة الشاقة المتعبة .
انتهت أشغال البناء في العمارة أمره رئيسه في العمل بضرورة الصعود الى أعلى السطح لتنظيفه وإزالة بعض الأتربة العالقة بالبالوعات المائية ،رجع خطوتان إلى الوراء انزلقت قدماه هوى من أعلى العمارة ، وبينما هو في الهواء بين الحياة و الموت استرجع شريط ذكرياته ، اختزلها في بضع لحظات ، تذكر فيها ضربة الغدر التي أردت صاحب المشروع قتيلا ، سيلتقي به في عالم اخر، عالم فيه النزاهة و العدالة، لا يعترف بالأوراق النقدية ، حسابك كتابك ، ارتطم سعيد بالأرض ، في المكان الذي ارتكب فيه الجريمة، اجتمع حوله العمال ، قال كلمة واحدة :
الحقيبة ...مات وضاعت الحقيبة.

مما قرأت..
للكاتب المقتدر:محمد يوب.




 توقيع : عطر الزنبق








رد مع اقتباس