عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 01-25-2023, 12:47 AM
عطر الزنبق متواجد حالياً
Morocco     Female
Awards Showcase
لوني المفضل White
 رقم العضوية : 1482
 تاريخ التسجيل : 27-05-2018
 فترة الأقامة : 2166 يوم
 أخر زيارة : 04-23-2024 (02:03 AM)
 العمر : 28
 المشاركات : 99,288 [ + ]
 التقييم : 34900
 معدل التقييم : عطر الزنبق تم تعطيل التقييم
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي هل لشهر رجب فضيلة على غيره من الشهور؟.



هل لشهر رجب فضيلة على غيره من الشهور؟

حماده إسماعيل فوده.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله وسلم؛ أما بعد:
فإن المتأمل لحال بعض الأقطار الإسلامية يجد عنايةً عجيبةً منهم بشهر رجب دون غيره من شهور العام، بل من الأشهر الحُرُم، والحق أن شهر رجب ليس له فضيلة على غيره من الشهور الهجرية سوى أنه من الأشهر الحرم التي أخبرنا الله عز وجل عنها في كتابه؛ بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].

حيث خص الله تعالى الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًّا عنه في كل الزمان، وعلى هذا أكثر أهل التأويل؛ أي: لا تظلموا في الأربعة أشهر الحرم أنفسكم، ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36] في الاثني عشر". ا. هـ[1].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((‌إن ‌الزمان ‌قد ‌استدار ‌كهيئته ‌يوم ‌خلق ‌الله ‌السماوات ‌والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جُمادى وشعبان))[2].

وأما عن سبب إضافة شهر رجب إلى قبيلة مضر في الحديث، فقيل: لأن مضر كانت تزيد في تعظيمه واحترامه، فنُسب إليهم لذلك، وقيل: بل كانت ربيعة تحرم رمضان، وتحرم مضر رجبًا، فلذلك سماه رجب مضر، وحقق ذلك بقوله: ((الذي بين جمادى وشعبان))؛ ا.هـ[3].
إذًا فالمزية التي تميز شهر رجب على غيره من الشهور الهجرية هو أنه من الأشهر الحرم الأربعة، وعليه فإن ارتكاب المعاصي وفعل المحرمات وإن كان منهيًّا عنه طوال العام، فإنه في هذا الشهر أشد من غيره؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].

ورغم كونه من الأشهر الحرم، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يخصه بعبادة معينة عن غيره من الشهور بحجة أنه شهر محرم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أدرك هذا الشهر، ودلنا على أنه شهر محرم، ومع ذلك لم يخصه بعبادة معينة، أو يزد فيه على غيره من الشهور، فيجب على المسلم أن يكون متبعًا لا مبتدعًا.

قال ابن حجر رحمه الله: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة"؛ ا.هـ[4].
وفي بعض الأقطار الإسلامية يخص بعض المسلمين هذا الشهر بعدد من الأعمال، التي لا تصح؛ لأنها على غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليه أعلاه، وسأركز هنا على عملين في نظري هما الأشهر:
الأول: هو تخصيص شهر رجب بالصيام:
فبمجرد دخول شهر رجب في بعض الأقطار الإسلامية تجد البعض يشمر عن ساعد الجد، ويجتهد في الصيام اجتهادًا كبيرًا، لا يفعله في غيره إلا في رمضان، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خصه بالصيام أو أمر بصيامه، ولم يثبت كذلك عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا غيرهم من السلف الصالح، وكل ما ورد من أحاديث في صيام رجب، فهي إما موضوعة أو ضعيفة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أما تخصيص رجب وشعبان جميعًا بالصوم أو الاعتكاف، فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه، ولا أئمة المسلمين، بل قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان من أجل شهر رمضان، وأما صوم رجب بخصوصه، فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يُروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات"؛ ا.هـ[5].
ورغم أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص رجب بالصيام، فإنه يمكن للمسلم أن يتطوع فيه بالصيام كغيره من الشهور دون تخصيص له، لمن له عادة صيام الاثنين والخميس مثلًا، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر التي أوصى بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله عنه[6]، والله أعلم.
ومن فتاوى شيخنا الدكتور أبو بكر الحنبلي[7] حفظه الله: "وإن كانت نية صيامه هو تعظيم الأشهر الحرم كما عظمها الله، والاستعداد لرمضان من الآن، فلا بأس"، والله أعلم.
أما الآخر: هو احتفال بعض المسلمين في بعض الأقطار الإسلامية بالإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب:

لا شك أن الإسراء والمعراج من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، التي خلَّد الله تبارك وتعالى ذكرها؛ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

ورغم عظم هذه المعجزة فإنه لا يوجد دليل على حدوثها في شهر رجب، وبفرض ثبوت ذلك لا يجوز لنا الاحتفال بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال بها مشروعًا لَبيَّنَه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، إما بالقول وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك لعُرف واشتُهر، ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا كما قال العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأتِ في الأحاديث الصحيحة تعيينها، لا في رجب ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها، فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم... ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا بها"[8].
فإذا كان لم يثبت عمن عُرج به صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بها، ولم يثبت كذلك عن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أشد الناس حرصًا على هديه صلى الله عليه وسلم، فكيف لنا أن نبتدع ولا نتبع؟!
أسأل الله عز وجل أن يوقفني وإياكم لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم في السيرة والسريرة والصورة، كما أسأله تعالى أن أكون قد وُفِّقت فيما نقلت، فما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان، فمن نفسي والشيطان، ورحم الله من قرأها فسدَّ خللًا أو أصلح عيبًا أو ذكر بمفيد، و((من دل على خير ‌فله ‌مثل ‌أجر ‌فاعله))[9].





رد مع اقتباس