منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=85)
-   -   شرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=197028)

نبراس القلم 01-25-2022 10:43 AM

شرح حديث: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل»
 
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فروى البخاري في صحيحه [6416] من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ».
«هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم، قال تعالى: ï´؟ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ï´¾ [غافر: 39]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا»[1].
ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتًا نوجه إليه، قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، قال: إن صاحب البيت لا يدعنا فيه.
قال بعض الحكماء: عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه ينشغل بالمدبرة ويُعرض عن المقبلة، وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطنًا، فينبغي أن يكون حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب، مقيم في بلد غربة، أو يكون كأنه مسافر، غير مقيم البتة.
فلهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون على أحد هذين الحالين، فأحدهما: أن يُنزِلَ المؤمنُ نفسه كأنه غريبٌ في الدنيا، يتخيل الإقامة لكن في بلد غربة، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة، بل قلبه متعلقٌ بوطنه الذي يرجع إليه، وإنما هو مقيمٌ في الدنيا ليقضي مرمة[2] جهازه إلى الرجوع إلى وطنه.
ومن كان كذلك فلا همَّ له إلا في التزود بما ينفعه عند عوده إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم، ولا يجزع من الذل عندهم.
قال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن، لما خلق آدم أُسكن هو وزوجته الجنة، ثم أُهبطا منها، ووعد الرجوع إليها، وصالح ذريتهما، فالمؤمن أبدًا يحن إلى وطنه الأول، وكما قيل:
كَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفَتى*** وحَنينُهُ أبداً لأوَّلِ مَنزِلِ
قال ابن القيم رحمه الله:

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنهَا
مَنَازِلُكَ الأولَى وَفِيهَا المُخَيّمُ
وَلكِنَّنَا سَبْىُ العَدُوِّ، فَهَلْ تَرَى
نَعُودُ إلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلَّمُ؟
وقد زعموا أن الغريبَ إذا نأى
وشطَّتْ به أوطانُه لَيْسَ يَنْعَمُ
وأيُّ اغترابٍ فوق غربَتِنا التي
لها أضحتِ الأعداءُ فينا تَحَكَّمُ

الحال الثاني: أن يُنزِلَ المؤمنُ نفسه في الدنيا كأنه مسافرٌ غير مقيم البتةَ، وإنما هو سائر في قطع منازل الطريق حتى ينتهي به السفرُ إلى آخره وهو الموت، ومن كانت هذه حاله في الدنيا فهمَّته تحصيل الزاد للسفر، وليس له همة في الاستكثار من متاع الدنيا، قال تعالى:ï´؟ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ï´¾ [البقرة: 197].
ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب[3].
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه سارت به وإن لم يسر، وفي هذا قال بعضهم:

وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلَّا مَرَاحِلُ
يَحُثُّ بِهَا دَاعٍ إِلَى الْمَوْتِ قَاصِدُ
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ - لَوْ تَأَمَّلْتَ - أَنَّهَا
مَنَازِلُ تُطْوَى وَالْمُسَافِرُ قَاعِدُ

وأما وصيةُ ابن عمر في هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل، وأن المؤمن ينبغي له إذا أمسى ألا ينتظر الصباح، وإذا أصبح ألا ينتظر المساء، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك، وبهذا فسر غير واحد من العلماء الزهد في الدنيا.
قال المروذيُّ: قلت لأبي عبدالله - يعني أحمد -: أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: قصر الأمل، من إذا أصبح قال: لا أمسي، قال: وهكذا قال سفيان: قيل لأبي عبدالله: بأي شيء نستعين على قصر الأمل، قال: ما ندري إنما هو توفيق.
وقوله: خذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك.
يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت.
روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»[4].
فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل ألا يقدر عليها، ويحال بينه وبينها، ومتى حيل بين الإنسان والعمل لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه، ويتمنى الرجوع إلى حالة يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه الأمنية، قال تعالى: ï´؟ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [الزمر: 54 - 58]، وقال تعالى: ï´؟ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ï´¾ [المؤمنون: 99، 100].
وقال تعالى: ï´؟ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ï´¾ [المنافقون: 10، 11].
قال الشاعر:
اِغْتَنِمْ فِي الْفَرَاغِ فَضْلَ رُكُوعٍ
فَعَسَى أَن يَكُونَ مَوْتُكَ بَغْتَهْ
كَمْ صَحِيحٍ رَأَيْتُ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ
ذَهَبَتْ نَفْسُهُ الصَّحِيحَةُ فَلْتَهْ

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] مسند الإمام أحمد من حديث عبداللَّه بن مسعود (7/ 259) برقم 4208، وقال محققوه: صحيح.
[2] أي يجمع متاعه ليرجع إلى وطنه.
[3] مسند الإمام أحمد (5/ 438)، وصححه ابن حبان في صحيحه برقم 2480.
[4] (4/ 341) برقم 7844، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير (1/ 244) برقم 1077.
د. أمين بن عبدالله الشقاوي

مستريح البال 01-25-2022 01:48 PM

جزاك الله خير الجزاء
ورفع قدرك في السماء
ورزقك الجنه ونفع بك
وبطرحك القييم بارك الله فيك

نهيان 01-25-2022 11:27 PM

جزاك الله عنا بخير الجزاء
والدرجة الرفيعه من الجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

لذة مطر ..! 01-26-2022 05:00 AM

جزاك الله خير ونفع بك ..

انثى برائحة الورد 01-27-2022 01:32 PM


شايان 01-29-2022 06:11 PM


شموح طفله 01-30-2022 04:25 PM



الساعة الآن 08:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا