منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=2)
-   -   الرَّؤُوفُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=204888)

كُـيرازْ 10-12-2023 05:47 PM

الرَّؤُوفُ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ
 
الدِّلالاتُ اللُّغويَّةُ لاسمِ (الرؤوف)[1]:
الرؤوف صيغةُ مبالغةٍ مِن اسم الفاعل الرائِفِ، وهو الموصوف بالرأفةِ، فعْله رَأَفَ بهِ يَرْأَف رَأْفَةً.

والرأفةُ في حقِّنا هي امتلاءُ القلبِ بالرِّقةِ، وهي أشدُّ ما يكون من الرَّحمةِ، وقيل: بل شِدَّةُ الرحمةِ ومنتهاها، قال تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ [النور: 2]؛ يعني: لا تَنظروا بأيِّ اعتبَارٍ يُمْكنُ أَنْ يَمْنحَهم شيئًا مِن الرَّحمَةِ والرِّقَّةِ، فلا تَرحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ اللهُ به مِنَ الحدِّ.

ويُمْكنُ القولُ أنَّ الرحمةَ تَسبِقُ الرأفةَ، فالرأفةُ هِي المنزلةُ التي تَعقبُها يُقَالُ: فلانٌ رحيمٌ، فإذا اشتدَّتْ رحمتُهُ فهو رؤوف، فالرأفةُ آخِرُ ما يكونُ من الرَّحمةِ.

ولذلك قُدِّمتِ الرأفةُ على الرَّحمةِ في وَصْفِ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وذلك على اعتبارِ أَنَّ الرأفةَ مبالغةٌ في الرحمة، والمبالغةُ في الرَّحمةِ تتعلَّق بخاصَّةِ المؤمنين، أما الرَّحمةُ في اسم الرَّحمنِ فإنها تتعلقُ بالخلائقِ أجمعين، فالأمرُ في الرَّأفة والرَّحمةِ على قَدْرِ الولايةِ والإيمانِ وعلى حسبِ عُلوِّ الهمَّةِ في عملِ الإنسانِ، وقد كانتْ رأفةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأصحابِهِ ما بَعدها رأفةٌ[2].

والرؤوفُ سبحانه هو الذي يَتعطَّفُ على عبادِهِ المؤمنين بحفظِ سمعِهم وأبصارِهِم وحركاتِهِم وسكناتِهِم في توحيدهِ وطاعتِه، وهذا مِن كمالِ الرأفةِ بالصادقين.

روى البخاريُّ من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ القُدسيِّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدي بشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه، وَمَا يَزَالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعلُهُ تَرَدُّدي عَنْ نَفْسِ الُمؤْمِنِ، يَكْرَهُ الَموْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ[3].

وكذلك الرؤوف يدلُّ على معنى التعطُّفِ على عبادِهِ المذْنِبين، فيفتحُ لهم بابَ التَّوبةِ ما لم تُغرغرِ النفسُ أو تطلُعِ الشمسُ مِن مغربِها، فقد روى مسلمٌ من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه»[4].

وعنده أيضًا مِن حديثِ أَبي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه؛ أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بالليْلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»[5].

والرؤوف أيضًا هو الذي يخفِّفُ عن عبادِه فلا يُكلِّفُهم ما يَشُقُّ عليهم أو يَخْرُجُ عن وُسعِهم وطاقتِهم.

قال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28].

وقال: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286][6].

وُرُودُه في القرآن الكريم[7]:
وَرَدَ الاسمُ في عَشْرِ آياتٍ من كتابِ اللهِ تعالى، منها:
قولهُ تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

وقولهُ تعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].

وقولهُ: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 7].

وقولهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].

وقولهُ: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9].

معنى الاسمِ في حَقِّ الله تعالى:
قال أبو عبيدةَ: «(رؤوف) فعولٌ مِنَ الرَّأفَةِ وهي أَرقُّ الرَّحمةِ، قال كعبُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ:
نُطِيعُ نَبيَّنَا ونُطِيعُ رَبًّا
هُوَ الرَّحْمَنُ كَانَ بِنَا رَؤُوفًا[8]



قال ابنُ جريرٍ: «﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾: إنَّ اللهَ بجميعِ عِبادِهِ ذُو رأفةٍ، والرأفة أعلى معاني الرَّحمةِ.

وهي عامَّةٌ لجميعِ الخلْقِ في الدُّنيا، ولبعضِهم في الآخرة»[9].
وقال الخطابِيُّ: «(الرَّؤوف) هو الرَّحيمُ العَاطِفُ برأْفتِهِ على عبادِهِ.
وقال بعضُهم: الرَّأفةُ أبلغُ الرَّحمةِ وأرَقُّها.

ويُقالُ: إِنَّ الرَّأفةَ أَخصُّ، والرَّحمةُ أعمُّ، وقد تكونُ الرَّحمةُ في الكراهَةِ للمَصْلَحةِ، ولا تكادُ الرَّأفةُ تكونُ في الكراهةِ.

فهذا موضِعُ الفَرْقِ بينهما»[10].

وقال الحليميُّ: «(الرؤوف)، ومعناه المتساهِلُ على عبادِهِ[11]؛ لأنَّه لم يُحمِّلْهم ما لا يُطيقون، بل حَمَّلَهم أقلَّ مما يُطيقون بدرجاتٍ كثيرةٍ.

ومع ذلك غلَّظَ فرائِضَهُ في حال شِدَّةِ القوَّةِ، وخَفَّفها في حالِ الضَّعفِ ونُقصانِ القُوَّةِ، وأخَذَ الُمقِيمَ بما لم يأخُذْ به المُسَافرَ، والصحيحَ بما لم يأخذْ به المريضَ.

وهذا كلُّه رأفَةٌ وَرَحْمةٌ»[12].

وقال في الَمقْصِد: «(الرؤوف) ذو الرَّأفةِ، والرَّأْفةُ شدَّةُ الرَّحمةِ، فهو بمعنى الرَّحيمِ مع المبالغةِ»[13].

الفرقُ بين الرأفةِ والرَّحمةِ:
تقدَّمَ في هذا كلامُ أبي عُبيدةَ وابنِ جريرٍ والزَّجَّاجِ والخطابيِّ؛ أنهم ذَكَروا فروقًا بينهما.

وجاء في الأسنى للقُرطبيِّ:
«إنِّ الرأفةَ[14] نِعمةٌ مُلِذَّةٌ مِن جميعِ الوجُوهِ، والرَّحمةُ قد تكونُ مُؤلمةً في الحالِ، ويكُونُ في عُقباها لذَّةٌ.

ولذلك قال: ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾ [النور: 2]، ولم يَقُلْ: رَحْمةٌ، فإنَّ ضَرْبَ العُصاةِ على عِصيانِهم رحمةٌ لهم لا رأفةٌ، فإنَّ صفةَ الرأفةِ إذا انْسَدَلتْ على مخلوقٍ لم يَلحقْهُ مكْروهٌ.

فلذلك تقولُ لَمنْ أصابَهُ بلاءٌ في الدُّنيا، وفي ضِمْنِهِ خيرٌ في الأُخرى: إنَّ اللهَ قد رَحِمَه بهذا البلاءِ.

وتقولُ لمن أصابَهُ عافيةٌ في الدُّنيا، في ضِمْنها خَيْرٌ في الأخرى، واتصلتْ له العافيةُ أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا: إنَّ اللهَ قد رأفَ به.

قال الأُقليشيُّ: فتأمَّلْ هذه التفرقةَ بين الرأفةِ والرَّحمةِ، ولذلك جاءا معًا، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.

وعلى هذا، الرأفةُ أعمُّ مِن الرَّحمةِ، فمتى أرادَ اللهُ بعبدٍ رحمةً أَنْعمَ عليه بها، إلا أنها قد تكُونُ عَقيبَ بلاءٍ، وقد لا تكونُ، والرأفةُ بخلافِ ذلك»[15].

فيتحصَّلُ في التفريق بين الرأفةِ والرحمةِ:
أ- إِنَّ الرأفةَ أَشدُّ الرَّحمةِ وأَبلغُها.

ب- إِنَّ الرأفةَ أَعمُّ مِن الرَّحمةِ، إِذْ الرحمةُ قد تكُونُ بشيءٍ مكْروهٍ، أو عَقيب بلاءٍ، والرأفةُ خيرٌ مِن كلِّ وجهٍ.




!

وردة 10-12-2023 06:22 PM

جزاك الله خير
وبارك الله فيك على الطرح الرائع

كُـيرازْ 10-12-2023 06:37 PM

؛



-لـ حضِوِرْكم رَونْقَ و عَطرَ
اُسعدٌكُمً البارُيُ..

مستريح البال 10-13-2023 12:16 AM

جزاك الله خير الجزاء
رزقك المولى الجنة ونعيمها
ورفع الله قدرك في الدنيا والآخرة
مودتي لك

انثى برائحة الورد 10-13-2023 12:13 PM


نهيان 10-13-2023 02:05 PM

جزاكـ الله بخير الجزاء والجنه
باركـ الله فيكـ ونفع بكـ
وجعله في موازين حسناتكـ

ناطق العبيدي 10-13-2023 08:41 PM

جازاك الله عنا خيرا ...لما أهديت للمكان طرح طاهر نبيل ....
كان في ميزان حسناتك ان شاء الله

أميرة بكلمتي 10-17-2023 09:42 PM


عطر الزنبق 11-04-2023 12:09 PM




بارك الله فيك وجزاك خيرا
على ما طرحت من درر
جعلها الله بموازين حسناتك
وأظلك الله يوم لا ظل الا ظله
وأثابك الجنة
حفظك الرحمن


الساعة الآن 05:42 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا