متاهات التاريخ... في «أرض الإله»

قراءة نقدية / متاهات التاريخ... في «أرض الإله» لأحمد مراد



الإبداع الروائي نتاج إنساني، تتجلى فيه الذات الإنسانية بكل أبعادها وجمالياتها ووقائعها الحياتية المُعاشة، والتاريخية أيضا. هو تلك المساحة الخصبة من الرؤى التي يتقاطع فيها الخيالي بالحقيقي، والوهم بالواقع .

هو إذن: حياة، أو هو بالأدق: خلق حياة أخرى موازية، تتحاور وتتلاقى وتشتبك مع الماضى والحاضر والمستقبل، تشتبك مع التاريخ الحضاري أو الإنساني أو الشخصي. ومع الجغرافيا القائمة، ربما ليقدم رؤيا بديلة متفردة، أو جغرافيا بديلة مدهشة، تتجاوز الواقع فى تفاصيله، لكنها لا تمحوه .

في رواية «أرض الإله» الصادرة هذا العام 2016، عن دار الشروق، يدخل الروائي أحمد مراد بروايته منطقة شائكة وخطرة، يدخل إلى التاريخ المصري القديم بكل متاهاته، ودهاليزه، وأسراره الغامضة. فالتاريخ المصري القديم في كثير من فتراته التاريخية لم يحسم العلماء فيها الرأي، خصوصا تلك الفترة التي ظهر فيها النبي «موسى». والتاريخ المصري القديم بالفعل يكاد يخلو من عدم ذكر الأنبياء الذين أتوا إلى مصر، وما زال الجميع يتذكر تلك المعركة التي دارت رحاها على صفحات الجرائد بين علماء المصريات كان أبرزهم زاهي حواس حول تحديد فرعون موسى وهل هو «رمسيس» أم «مرنبتاح»؟ بينما يؤكد الدكتور نديم السيار في كتابه «قدماء المصريين أول الموحدين»، أن فرعون موسى لم يكن مصريًا، وإنما هو واحد من ملوك الرعاة الهكسوس المحتلين. وهو الكتاب الذي أثار الجدل عند صدوره عام 1995 م. وهي الفكرة ذاتها التي اعتمد عليها أحمد مراد في النص الروائي، من دون أن يذكر المرجع التاريخى المشار إليه، أو أي مرجع آخر.

سيرى المتلقي في النص الروائي الجرأة في الدخول إلى منطقة التاريخ والتلاعب به وإحلال تاريخ آخر موازٍ، في تضفير روائي بخليط من التشويق والإثارة، وهي الخلطة السحرية التي اشتهر بها أحمد مراد في رواياته السابقة.

لا يستطيع أحد أن ينكر أن السرد الروائي مشوق رائع، وهو أقرب إلى الروايات البوليسية، لكنها لم تعتمد على وجود لغز غامض، وإنما على بنية الصراع القائم بين شخوص روائية في أحداث لاهثه ومطاردات متبادلة. بين «الكاهن كاي» الذي يحاول أن يحمي الحقيقة الجديدة التي ظهرت على يد معلمه المقتول، الكاهن الأعظم في مصر القديمة، وبين الوزير اليهودي في قصر الحاكم، في فترة التحولات المصرية الإغريقية واليونانية بعد الاسكندر الاكبر، وامتلاء مصر باليهود ووصول بعضهم الى قصر الحاكم والتحكم فيه.

حقيقة تظهر في البرديات، يدافع عنها «الكاهن كاي» لتغير مجرى التاريخ المصري بكامله- حسب الرواية- يعلنها في نهاية الرواية وكأنها هي المقصودة من كل الأحداث .

حقيقة حاول اليهود أن يخفوها ويمحوها من التاريخ المصري القديم. وهي أن فرعون موسى ليس سوى حاكم الهكسوس وهو فرعون الخروج لموسى عليه السلام.

وأن مصر اسمها الحقيقي ايجيبت، تم ترجمتها عن عمد الى كلمة مصر كى يقوموا بتزييف التاريخ.

وأن لفظ «مصر» كان يقصد به عاصمة أرض الرعاة، أرض سيناء أرض الفيروز.

أما إيجيبت فهي الإسم الفعلي لـ «مصر قديما» والتي تعنى «أرض الإله» أما فرعون فهو لفظ يعود إلى حاكم الهكسوس وليس حاكما أو ملكا جيبتيا.

مغامرة في التاريخ قد يقبلها البعض، ويرفضها البعض الآخر، يُقرنها الكاتب بذكاء في تسلسل شيق للأحداث، وامتزاجه بالسرد القرآني لقصة موسى عليه السلام، في تناص سردي واضح بين النص الروائي والقرآن الكريم.

ثم يُنهي روايته بأحداث وقعت في التاريخ المعاصر مثل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، واختفاء برديات مهمة من المقبرة ليدلل بها على صدق الأحداث واشتباكها الدرامي بين الماضي والحاضر.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كتابة التاريخ بهذا الشكل يُعد زيفا أم ابداعا واستلهاما تاريخيا من حق المؤلف؟

وتبقى جمالية السرد والنص الروائي، في نظري، هي العامل الفارق في نجاح أي عمل روائي.

اشكرك على تميز جلبك
اختيار راقي
يعطيك العافيه
لاتبخلي بكل ماهو جديد
دمتي بسعاده لاتفارقك ماحييتي