ننتظر تسجيلك هـنـا


{ اعلانات سكون القمر ) ~
  <
 
بأيدينا نعلوا بمنتدانا وبمشاركاتكم وكلماتكم نرتقي فلا تقرأ وتمضي ..... الى من يواجه اي مشكلة للدخول وعدم استجابة الباسورد ان يطرح مشكلته في قسم مشاكل الزوار او التواصل مع الاخ نهيان عبر التويتر كلمة الإدارة


العودة   منتديات سكون القمر > ۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ > ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩

۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ |!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",,

-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك : أفضل كاتب :
أفضل مشارك
بيانات العندليب
اللقب
المشاركات 614
النقاط 20
بيانات نهيان
اللقب
المشاركات 173278
النقاط 6618153


التعريف بسور القرآن الكريم وأسباب النزول ومحاور ومقاصد السور

|!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",,


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-14-2021, 08:27 PM   #221


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي






















تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وهذا الذي ذكر في هذه السورة عن الجن بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من صفات أخرى كتسخير طائفة من الشياطين لسليمان - وهم من الجن - وأنهم لم يعلموا بموته إلا بعد فترة ، فدل هذا على أنهم لا يعلمون الغيب :
«فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ «1»» ..
ومثل قوله تعالى عن خصيصة من خصائص إبليس وقبيله - وهو من الجن - غير أنه تمحض للشر والفساد والإغراء : «إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ «2»» .. وما يدل عليه من أن كيان الجن غير مرئي للبشر ، في حين أن كيان الإنس مرئي للجن.
هذا بالإضافة إلى ما قرره في سورة الرحمن عن المادة التي منها كيان الجن والمادة التي منها كيان الإنسان في قوله : «خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ» .. يعطي صورة عن ذلك الخلق المغيب ، تثبت وجوده ، وتحدد الكثير من خصائصه وفي الوقت ذاته تكشف الأوهام والأساطير ، العالقة بالأذهان عن ذلك الخلق ، وتدع تصور المسلم عنه واضحا دقيقا متحررا من الوهم والخرافة ، ومن التعسف في الإنكار الجامح كذلك! وقد تكفلت هذه السورة بتصحيح ما كان مشركو العرب وغيرهم يظنونه عن قدرة الجن ودورهم في هذا الكون. أما الذين ينكرون وجود هذا الخلق إطلاقا ، فلا أدري علام يبنون هذا الإنكار ، بصيغة الجزم والقطع ، والسخرية من الاعتقاد بوجوده ، وتسميته خرافة! ألأنهم عرفوا كل ما في هذا الكون من خلائق فلم يجدوا الجن من بينها؟! إن أحدا من العلماء لا يزعم هذا حتى اليوم. وإن في هذه الأرض وحدها من الخلائق الحية لكثيرا مما يكشف وجوده يوما بعد يوم ، ولم يقل أحد إن سلسلة الكشوف للأحياء في الأرض وقفت أو ستقف في يوم من الأيام! ألأنهم عرفوا كل القوى المكنونة في هذا الكون فلم يجدوا الجن من بينها؟! إن أحدا لا يدعي هذه الدعوى.
( يت
هناك قوى مكنونة تكشف كل يوم وهي كانت مجهولة بالأمس. والعلماء جادون في التعرف إلى القوى الكونية ، وهم يعلنون في تواضع قادتهم إليه كشوفهم العلمية ذاتها ، أنهم يقفون على حافة المجهول في هذا الكون ، وأنهم لم يكادوا يبدأون بعد! ألأنهم رأوا كل القوى التي استخدموها ، فلم يروا الجن من بينها؟! ولا هذه. فإنهم يتحدثون عن الكهرب بوصفه حقيقة علمية منذ توصلوا إلى تحطيم الذرة. ولكن أحدا منهم لم ير الكهرب قط. وليس في معاملهم من الأجهزة ما يفرزون به كهربا من هذه الكهارب التي يتحدثون عنها! ففيم إذن هذا الجزم بنفي وجود الجن؟ ومعلومات البشر عن هذا الكون وقواه وسكانه من الضآلة بحيث لا تسمح لإنسان يحترم عقله أن يجزم بشي ء؟ ألأن هذا الخلق المسمى الجن تعلقت به خرافات شتى وأساطير كثيرة؟ إن طريقنا في هذه الحالة هو إبطال هذه الخرافات والأساطير كما صنع القرآن الكريم ، لا التبجح بنفي وجود هذا الخلق من الأساس ، بلا حجة ولا دليل! ومثل هذا الغيب ينبغي تلقي نبئه من المصدر الوحيد الموثوق بصحته ، وعدم معارضة هذا المصدر بتصورات سابقة لم تستمد منه. فما يقوله هو كلمة الفصل في مثل هذا الموضوع
والسورة التي بين أيدينا - بالإضافة إلى ما سبق - تساهم مساهمة كبيرة في إنشاء التصور الإسلامي عن حقيقة الألوهية ، وحقيقة العبودية ، ثم عن هذا الكون وخلائقه ، والصلة بين هذه الخلائق المنوعة.
وفي مقالة الجن ما يشهد بوحدانية اللّه ، ونفي الصاحبة والولد ، وإثبات الجزاء في الآخرة وأن أحدا من خلق اللّه لا يعجزه في الأرض ولا يفلت من يديه ويفوته ، فلا يلاقي جزاءه العادل. وتتكرر بعض هذه الحقائق فيما يوجه للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - من الخطاب : «قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً» ... «قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً» .. وذلك بعد شهادة الجن بهذه الحقيقة شهادة كاملة صريحة.
كما أن تلك الشهادة تقرر أن الألوهية للّه وحده ، وأن العبودية هي أسمى درجة يرتفع إليها البشر : «وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» .. ويؤكد السياق هذه الحقيقة فيما يوجه للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - من خطاب : «قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً» ..
والغيب موكول للّه وحده لا تعرفه الجن : «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. ولا تعرفه الرسل إلا ما يطلعهم اللّه عليه منه لحكمة يعلمها : «قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ...» ..
أما العباد والعبيد في هذا الكون ، فقد علمتنا السورة أن بين بعضها والبعض الآخر مشاركات ومنافذ ، ولو اختلف تكوينها ، كالمشاركات التي بين الجن والإنس ، مما حكته السورة وحكاه القرآن في مواضع أخرى.
فالإنسان ليس بمعزل - حتى في هذه الأرض - عن الخلائق الأخرى. وبينه وبينها اتصال وتفاعل في صورة من الصور. وهذه العزلة التي يحسها الإنسان بجنسه - بله العزلة الفردية أو القبلية أو القومية - لا وجود لها في طبيعة الكون ولا في واقعه. وأحرى بهذا التصور أن يفسح في شعور الإنسان بالكون وما يعمره من أرواح وقوى وأسرار. قد يجهلها الإنسان ، ولكنها موجودة بالفعل من حوله ، فهو ليس الساكن الوحيد لهذا الكون كما يعن له أحيانا أن يشعر!! ثم إن هناك ارتباطا بين استقامة الخلائق على الطريقة ، وتحركات هذا الكون ونتائجها ، وقدر اللّه في العباد : «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ. وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» .. وهذه الحقيقة تؤلف جانبا من التصور الإسلامي للارتباطات بين الإنسان والكون وقدر اللّه.
( يتبع )













 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:28 PM   #222


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي













تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وهكذا تمتد إيحاءات السورة إلى مساحات ومسافات وأبعاد وآماد واسعة بعيدة ، وهي سورة لا تتجاوز الثماني والعشرين آية ، نزلت في حادثة معينة ومناسبة خاصة ..
فأما هذا الحادث الذي أشارت إليه السورة. حادث استماع نفر من الجن للقرآن. فتختلف بشأنه الروايات.
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه : «دلائل النبوة» : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا إسماعيل القاضي ، أخبرنا مسدد ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - قال : «ما قرأ رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - على الجن ولا رآهم. انطلق رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، أرسلت عليهم الشهب ، فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم؟ فقالوا : حيل بيننا وبين خبر السماء ، وأرسلت علينا الشهب. قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، وانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء. فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا إليه ، فقالوا : هذا واللّه الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم قالوا : «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. وأنزل اللّه على نبيه - صلى اللّه عليه وسلم - : «قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ» .. وإنما أوحي إليه قول الجن (و رواه البخاري عن مسدد بنحو هذا ، وأخرجه مسلم عن شيبان ابن فروخ عن أبي عوانة بهذا النص).
فهذه رواية. وهناك رواية أخرى .. قال مسلم في صحيحه : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود وهو ابن أبي هند ، عن عامر ، قال : سألت علقمة : هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ليلة الجن؟ قال : فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود - رضي اللّه عنه - فقلت : هل شهد أحد منكم مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ليلة الجن؟ قال : لا ، ولكنا كنا مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ذات ليلة ، ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب ، فقيل : استطير؟ اغتيل؟ قال : فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم. فلما أصبحنا إذا هو ، جاء من قبل حراء. قال : فقلنا : يا رسول اللّه ، فقدناك فطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم. فقال : «أتاني داعي الجن ، فذهبت معهم فقرأت عليهم القرآن».
قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم» وسألوه الزاد فقال : «كل عظم ذكر اسم اللّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما ، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم. قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم» ..


وهناك رواية أخرى عن ابن مسعود أنه كان تلك الليلة مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ولكن إسناد الرواية الأولى أوثق. فنضرب عن هذه وأمثالها .. ومن الروايتين الواردتين في الصحيحين يتبين أن ابن عباس يقول : إن الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - لم يعرف بحضور النفر من الجن ، وأن ابن مسعود يقول : إنهم استدعوه. ويوفق البيهقي بين الروايتين بأنهما حادثان لا حادث واحد.
وهناك رواية ثالثة لابن اسحق قال :
«ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب ، فخرج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من اللّه عز وجل ، فخرج إليهم وحده.
«قال ابن إسحق : فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : لما انتهى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة :
يا ليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير ... وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح. فجلس إليهم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فدعاهم إلى اللّه ، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه. فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة (أي يمزقها) إن كان اللّه أرسلك! وقال الآخر : أما وجد اللّه أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث :
واللّه لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولا من اللّه كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام. ولئن كنت تكذب على اللّه ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من عندهم وقد يئس من خير ثقيف. وقد قال لهم - فيما ذكر لي - : «إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني». وكره رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أن يبلغ قومه عنه ، فيذئرهم (أي يحرشهم) ذلك عليه! «فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس ، وألجئوه إلى حائط (أي بستان) لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة - وهما فيه - ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب (أي طاقة من قضبان الكرم) فجلس فيه ، وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ... فلما اطمأن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - قال - فيما ذكر لي - : «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني؟ إلى عبد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك» ..


«قال : فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له :
عداس. فقال له : خذ قطفا من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه. ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ثم قال له :
كل. فلما وضع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فيه يده قال : «بسم اللّه» ثم أكل. فنظر عداس في وجهه ثم قال : واللّه إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد. فقال له رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - :
«ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال : نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى. فقال له رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟» فقال عداس : وما يدريك ما يونس ابن متى؟ فقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «ذاك أخي. كان نبيا وأنا نبي» فأكب عداس على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقبل رأسه ويديه وقدميه. قال : يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك! فلما جاءهما عداس قالا له : ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟
قال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا. لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي. قالا له : ويحك يا عداس! لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه! «قال : ثم إن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - انصرف من الطائف راجعا إلى مكة ، حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي. فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم اللّه تبارك وتعالى ، وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين ، فاستمعوا له ، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا. فقص اللّه خبرهم عليه - صلى اللّه عليه وسلم - قال اللّه عز وجل :
«وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ» إلى قوله : «وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ». وقال تبارك وتعالى :
«قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ» إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة».
وقد علق ابن كثير في تفسيره على رواية ابن إسحاق هذه فقال : «هذا صحيح. ولكن قوله : إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر. فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دل عليه حديث ابن عباس - رضي اللّه عنهما - المذكور. وخروجه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى الطائف كان بعد موت عمه. وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره. واللّه أعلم».
( يتبع )












 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:29 PM   #223


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي




















تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وإذا صحت رواية ابن إسحاق عن أن الحادث وقع عقب عودة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - من الطائف ، مكسور الخاطر من التصرف اللئيم العنيد الذي واجهه به كبراء ثقيف ، وبعد ذلك الدعاء الكسير الودود لربه ومولاه ، فإنه ليكون عجيبا حقا من هذا الجانب. أن يصرف اللّه إليه ذلك النفر من الجن ، وأن يبلغه ما فعلوا وما قالوا لقومهم ، وفيه من الدلالات اللطيفة الموحية ما فيه ..
وأيا كان زمان هذا الحادث وملابساته فهو أمر ولا شك عظيم. عظيم في دلالاته وفيما انطوى عليه. وفيما أعقبه من مقالة الجن عن هذا القرآن وعن هذا الدين .. فلنمض مع هذا كله كما يعرضه القرآن الكريم.
«قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ، وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً ، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً. وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً» ..
والنفر ما بين الثلاثة والتسعة كالرهط. وقيل كانوا سبعة.
وهذا الافتتاح يدل على أن معرفة النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بأمر استماع الجن له ، وما كان منهم بعد أن سمعوا القرآن منه .. كانت بوحي من اللّه سبحانه إليه ، وإخبارا عن أمر وقع ولم يعلم به الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ولكن اللّه أطلعه عليه. وقد تكون هذه هي المرة الأولى ، ثم كانت هناك مرة أو مرات أخرى قرأ النبي فيها على الجن عن علم وقصد. ويشهد بهذا ما جاء بشأن قراءته - صلى اللّه عليه وسلم - سورة الرحمن «أخرجه الترمذي بإسناده - عن جابر رضي اللّه عنه قال : «خرج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن إلى آخرها ، فسكتوا. فقال : «لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن ردودا منكم. كنت كلما أتيت على قوله تعالى : «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟» قالوا : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد» .. وهذه الرواية تؤيد رواية ابن مسعود - رضي اللّه عنه التي سبقت الإشارة إليها في المقدمة.


ولا بد أن هذه المرة التي تحكيها هذه السورة هي التي تحكيها آيات الأحقاف : «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ. فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا : أَنْصِتُوا. فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا : يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
فإن هذه الآيات - كالسورة - تنبئ عن وهلة المفاجأة بهذا القرآن للجن مفاجأة أطارت تماسكهم ، وزلزلت قلوبهم ، وهزت مشاعرهم ، وأطلقت في كيانهم دفعة عنيفة من التأثر امتلأ بها كيانهم كله وفاض ، فانطلقوا إلى قومهم بنفوس محتشدة مملوءة فائضة بما لا تملك له دفعا ، ولا تملك عليه صبرا ، قبل أن تفيضه على الآخرين
في هذا الأسلوب المتدفق ، النابض بالحرارة والانفعال ، وبالجد والاحتفال في نفس الأوان ، وهي حالة من يفاجأ أول مرة بدفعة قوية ترج كيانه ، وتخلخل تماسكه ، وتدفعه دفعا إلى نقل ما يحسه إلى نفوس الآخرين في حماسة واندفاع ، وفي جد كذلك واحتفال! «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً» ..
فأول ما بدههم منه أنه «عجب» غير مألوف ، وأنه يثير الدهش في القلوب ، وهذه صفة القرآن عند من يتلقاه بحس واع وقلب مفتوح ، ومشاعر مرهفة ، وذوق ذواق .. عجب! ذو سلطان متسلط ، وذو جاذبية غلابة ، وذو إيقاع يلمس المشاعر ويهز أوتار القلوب .. عجب! فعلا. يدل على أن أولئك النفر من الجن كانوا حقيقة يتذوقون!


«يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ» ..
وهذه هي الصفة الثانية البارزة كذلك في هذا القرآن ، والتي أحسها النفر من الجن ، حين وجدوا حقيقتها في قلوبهم .. وكلمة الرشد في ذاتها ذات دلالة واسعة المدى. فهو يهدي إلى الهدى والحق والصواب. ولكن كلمة الرشد تلقي ظلا آخر وراء هذا كله. ظل النضوج والاستواء والمعرفة الرشيدة للهدى والحق والصواب.
ظل الإدراك الذاتي البصير لهذه الحقائق والمقومات ، فهو ينشئ حالة ذاتية في النفس تهتدي بها إلى الخير والصواب.
والقرآن يهدي إلى الرشد بما ينشئه في القلب من تفتح وحساسية ، وإدراك ومعرفة ، واتصال بمصدر النور والهدى ، واتساق مع النواميس الإلهية الكبرى. كما يهدي إلى الرشد بمنهجه التنظيمي للحياة وتصريفها.
هذا المنهج الذي لم تبلغ البشرية في تاريخها كله ، في ظل حضارة من الحضارات ، أو نظام من الأنظمة ، ما بلغته في ظله أفرادا وجماعات ، قلوبا ومجتمعات ، أخلاقا فردية ومعاملات اجتماعية .. على السواء.
«فَآمَنَّا بِهِ» ..
وهي الاستجابة الطبيعية المستقيمة لسماع القرآن ، وإدراك طبيعته ، والتأثر بحقيقته .. يعرضها الوحي على المشركين الذين كانوا يسمعون هذا القرآن ثم لا يؤمنون. وفي الوقت ذاته ينسبونه إلى الجن ، فيقولون : كاهن أو شاعر أو مجنون .. وكلها صفات للجن فيها تأثير. وهؤلاء هم الجن مبهورين بالقرآن مسحورين متأثرين أشد التأثر ، منفعلين أشد الانفعال ، لا يملكون أنفسهم من الهزة التي ترج كيانهم رجا .. ثم يعرفون الحق ، فيستجيبون له مذعنين معلنين هذا الإذعان : «فَآمَنَّا بِهِ» غير منكرين لما مس نفوسهم منه ولا معاندين ، كما كان المشركون يفعلون! «وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» ..
فهو الإيمان الخالص الصريح الصحيح. غير مشوب بشرك ، ولا ملتبس بوهم ، ولا ممتزج بخرافة ، الإيمان الذي ينبعث من إدراك حقيقة القرآن ، والحقيقة التي يدعو إليها القرآن ، حقيقة التوحيد للّه بلا شريك.
«وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ، مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً» ..
والجد : الحظ والنصيب. وهو القدر والمقام. وهو العظمة والسلطان .. وكلها إشعاعات من اللفظ تناسب المقام. والمعنى الإجمالي منها في الآية هو التعبير عن الشعور باستعلاء اللّه - سبحانه - وبعظمته وجلاله عن أن يتخذ صاحبة - أي زوجة - وولدا بنين أو بنات! وكانت العرب تزعم أن الملائكة بنات اللّه ، جاءته من صهر مع الجن! فجاءت الجن تكذب هذه الخرافة الأسطورية في تسبيح للّه وتنزيه ، واستنكاف من هذا التصور أن يكون! وكانت الجن حرية أن تفخر بهذا الصهر الخرافي الأسطوري لو كان يشبه أن يكون! فهي قذيفة ضخمة تطلق على ذلك الزعم الواهي في تصورات المشركين! وكل تصور يشبه هذه التصورات ، ممن زعموا أن للّه ولدا سبحانه في أية صورة وفي أي تصوير! «وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً ، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً» ..
( يتبع )













 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:29 PM   #224


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي















تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وهذه مراجعة من الجن لما كانوا يسمعون من سفهائهم من الشرك باللّه ، وادعاء الصاحبة والولد والشريك ، بعد ما تبين لهم من سماع القرآن أنه لم يكن حقا ولا صوابا ، وأن قائليه إذن سفهاء فيهم خرق وجهل وهم يعللون تصديقهم لهؤلاء السفهاء من قبل بأنهم كانوا لا يتصورون أن أحدا يمكن أن يكذب على اللّه من الإنس أو الجن. فهم يستعظمون ويستهولون أن يجرؤ أحد على الكذب على اللّه. فلما قال لهم سفهاؤهم : إن للّه صاحبة وولدا ، وإن له شريكا صدقوهم ، لأنهم لم يتصوروا أنهم يكذبون على اللّه أبدا .. وهذا الشعور من هؤلاء النفر بنكارة الكذب على اللّه ، هو الذي أهلهم للإيمان. فهو دلالة على أن قلوبهم نظيفة مستقيمة إنما جاءها الضلال من الغرارة والبراءة! فلما مسها الحق انتفضت ، وأدركت ، وتذوقت وعرفت. وكان منهم هذا الهتاف المدوي : «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً. وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً» ..
وهذه الانتفاضة من مس الحق ، جديرة بأن تنبه قلوبا كثيرة مخدوعة في كبراء قريش ، وزعمهم أن للّه شركاء أو صاحبة وولدا. وأن تثير في هذه القلوب الحذر واليقظة ، والبحث عن الحقيقة فيما يقوله محمد - صلى اللّه عليه وسلم - وما يقوله كبراء قريش ، وأن تزلزل الثقة العمياء في مقالات السفهاء من الكبراء! وقد كان هذا كله مقصودا بذكر هذه الحقيقة. وكان جولة من المعركة الطويلة بين القرآن وبين قريش العصية المعاندة وحلقة من حلقات العلاج البطيء لعقابيل الجاهلية وتصوراتها في تلك القلوب. التي كان الكثير منها غرا بريئا ، ولكنه مضلل مقود بالوهم والخرافة وأضاليل المضللين من القادة الجاهليين! «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» ..


تابع


وهذه إشارة من الجن إلى ما كان متعارفا في الجاهلية - وما يزال متعارفا إلى اليوم في بيئات كثيرة - من أن للجن سلطانا على الأرض وعلى الناس ، وأن لهم قدرة على النفع والضر ، وأنهم محكمون في مناطق من الأرض أو البحر أو الجو .. إلى آخر هذه التصورات. مما كان يقتضي القوم إذا باتوا في فلاة أو مكان موحش ، أن يستعيذوا بسيد الوادي من سفهاء قومه ، ثم يبيتون بعد ذلك آمنين! والشيطان مسلط على قلوب بني آدم - إلا من اعتصم باللّه فهو في نجوة منه - وأما من يركن إليه فهو لا ينفعه. فهو له عدو. إنما يرهقه ويؤذيه .. وهؤلاء النفر من الجن يحكون ما كان يحدث : «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» .. ولعل هذا الرهق هو الضلال والقلق والحيرة التي تنوش قلوب من يركنون إلى عدوهم ، ولا يعتصمون باللّه منه ويستعيذون! كما هم مأمورون منذ أبيهم آدم وما كان بينه وبين إبليس من العداء القديم! والقلب البشري حين يلجأ إلى غير اللّه ، طمعا في نفع ، أو دفعا لضر ، لا يناله إلا القلق والحيرة ، وقلة الاستقرار والطمأنينة ... وهذا هو الرهق في أسوأ صوره .. الرهق الذي لا يشعر معه القلب بأمن ولا راحة! إن كل شي ء - سوى اللّه - وكل أحد ، متقلب غير ثابت ، ذاهب غير دائم ، فإذا تعلق به قلب بقي يتأرجح ويتقلب ويتوقع ويتوجس وعاد يغير اتجاهه كلما ذهب هذا الذي عقد به رجاءه. واللّه وحده هو الباقي الذي لا يزول. الحي الذي لا يموت. الدائم الذي لا يتغير. فمن اتجه إليه اتجه إلى المستقر الثابت الذي لا يزول ولا يحول :
«وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً» ..
يتحدثون إلى قومهم ، عن أولئك الرجال من الإنس الذين كانوا يعوذون برجال من الجن ، يقولون :
إنهم كانوا يظنون - كما أنكم تظنون - أن اللّه لن يبعث رسولا. ولكن ها هو ذا قد بعث رسولا ، بهذا القرآن الذي يهدي إلى الرشد .. أو أنهم ظنوا أنه لن يكون هناك بعث ولا حساب - كما ظننتم - فلم يعملوا للآخرة شيئا ، وكذبوا ما وعدهم الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - من أمرها ، لأنهم كانوا لا يعتقدون من قبل فيها.
وكلا الظنين لا ينطبق على الحقيقة ، وفيه جهل وقلة إدراك لحكمة اللّه في خلق البشر. فقد خلقهم باستعداد مزدوج للخير والشر والهدى والضلال (كما نعرف من هذه السورة أن للجن هذه الطبيعة المزدوجة كذلك إلا من تمحض منهم للشر كإبليس ، وطرد من رحمة اللّه بمعصيته الفاجرة ، وانتهى إلى الشر الخالص بلا ازدواج) ومن ثم اقتضت رحمة اللّه أن يعين أولئك البشر بالرسل ، يستجيشون في نفوسهم عنصر الخير ، ويستنقذون ما في فطرتهم من استعداد للهدى. فلا مجال للاعتقاد بأنه لن يبعث إليهم أحدا.


هذا إذا كان المعنى هو بعث الرسل. فأما بعث الآخرة فهو ضرورة كذلك لهذه النشأة التي لا تستكمل حسابها في الحياة الدنيا ، لحكمة أرادها اللّه ، وتتعلق بتنسيق للوجود يعلمه ولا نعلمه فجعل البعث في الآخرة لتستوفي الخلائق حسابها ، وتنتهي إلى ما تؤهلها له سيرتها الأولى في الحياة الدنيا. فلا مجال للظن بأنه لن يبعث أحدا من الناس. فهذا الظن مخالف للاعتقاد في حكمة اللّه وكماله. سبحانه وتعالى ..
وهؤلاء النفر من الجن يصححون لقومهم ظنهم ، والقرآن في حكايته عنهم يصحح للمشركين أوهامهم.
ويمضي الجن في حكاية ما لقوه وما عرفوه من شأن هذه الرسالة في جنبات الكون ، وفي أرجاء الوجود ، وفي أحوال السماء والأرض ، لينفضوا أيديهم من كل محاولة لا تتفق مع إرادة اللّه بهذه الرسالة ، ومن كل ادعاء بمعرفة الغيب ، ومن كل قدرة على شيء من هذا الأمر :
« وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً. وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا؟» ..
وهذه الوقائع التي حكاها القرآن عن الجن من قولهم ، توحي بأنهم قبل هذه الرسالة الأخيرة - ربما في الفترة بينها وبين الرسالة التي قبلها وهي رسالة عيسى عليه السلام - كانوا يحاولون الاتصال بالملأ الأعلى ، واستراق شيء مما يدور فيه ، بين الملائكة ، عن شؤون الخلائق في الأرض ، مما يكلفون قضاءه تنفيذا لمشيئة اللّه وقدره.
ثم يوحون بما التقطوه لأوليائهم من الكهان والعرافين ، ليقوم هؤلاء بفتنة الناس وفق خطة إبليس! على أيدي هؤلاء الكهان والعرافين الذين يستغلون القليل من الحق فيمزجونه بالكثير من الباطل ، ويروجونه بين جماهير الناس في الفترة بين الرسالتين ، وخلو الأرض من رسول .. أما كيفية هذا وصورته فلم يقل لنا عنها شيئا ، ولا ضرورة لتقصيها. إنما هي جملة هذه الحقيقة وفحواها.
وهذا النفر من الجن يقول : إن استراق السمع لم يعد ممكنا ، وإنهم حين حاولوه الآن - وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء - وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد ، يرجمهم بالشهب ، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر : «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. فهذا الغيب موكول لعلم اللّه لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر اللّه لعباده في الأرض : قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال ، أم قدر لهم الرشد - وهو الهداية - وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير ، وعاقبتها هي الخير.
( يتبع )













 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:30 PM   #225


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي
















تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب ، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا ، فقد انقطع كل قول ، وبطل كل زعم ، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب للّه ، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته ، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير! أما أين يقف ذلك الحرس؟ ومن هو؟ وكيف يرجم الشياطين بالشهب؟ فهذا كله مما لم يقل لنا عنه القرآن ولا الأثر شيئا ، وليس لنا مصدر سواهما نستقي منه عن هذا الغيب شيئا ولو علم اللّه أن في تفصيله خيرا لنا لفعل. وإذ لم يفعل فمحاولتنا نحن في هذا الاتجاه عبث لا يضيف إلى حياتنا ولا إلى معرفتنا المثمرة شيئا! ولا مجال كذلك للاعتراض أو الجدل حول الشهب ، وأنها تسير وفق نظام كوني ، قبل البعثة وبعدها ووفق ناموس يحاول علماء الفلك تفسيره ، بنظريات تخطئ وتصيب. وحتى على فرض صحة هذه النظريات فإن هذا لا يدخل في موضوعنا ، ولا يمنع أن ترجم الشياطين بهذه الشهب عند انطلاقها. وأن تنطلق هذه الشهب رجوما وغير رجوم وفق مشيئة اللّه الذي يجري عليها القانون! فأما الذين يرون في هذا كله مجرد تمثيل وتصوير لحفظ اللّه للذكر من الالتباس بأي باطل وأنه لا يجوز أن يؤخذ على ظاهره .. فسبب هذا عندهم أنهم يجيئون إلى القرآن بتصورات مقررة سابقة في أذهانهم ، أخذوها من مصادر أخرى غير القرآن. ثم يحاولون أن يفسروا القرآن وفق تلك التصورات السابقة المقررة في أذهانهم من قبل .. ومن ثم يرون الملائكة تمثيلا لقوة الخير والطاعة. والشياطين تمثيلا لقوة الشر والمعصية. والرجوم تمثيلا للحفظ والصيانة ... إلخ لأن في مقرراتهم السابقة - قبل أن يواجهوا القرآن - أن هذه المسميات : الملائكة والشياطين أو الجن ، لا يمكن أن يكون لها وجود مجسم على هذا النحو ، وأن تكون لها هذه التحركات الحسية ، والتأثيرات الواقعية!!! من أين جاءوا بهذا؟ من أين جاءوا بهذه المقررات التي يحاكمون إليها نصوص القرآن والحديث؟



إن الطريق الأمثل في فهم القرآن وتفسيره ، وفي التصور الإسلامي وتكوينه .. أن ينفض الإنسان من ذهنه كل تصور سابق ، وأن يواجه القرآن بغير مقررات تصورية أو عقلية أو شعورية سابقة ، وأن يبني مقرراته كلها حسما يصور القرآن والحديث حقائق هذا الوجود. ومن ثم لا يحاكم القرآن والحديث لغير القرآن.
ولا ينفي شيئا يثبته القرآن ولا يؤوله! ولا يثبت شيئا ينفيه القرآن أو يبطله. وما عدا المثبت والمنفي في القرآن ، فله أن يقول فيه ما يهديه إليه عقله وتجربته ..
نقول هذا بطبيعة الحال للمؤمنين بالقرآن .. وهم مع ذلك يؤولون نصوصه هذه لتوائم مقررات سابقة في
عقولهم ، وتصورات سابقة في أذهانهم لما ينبغي أن تكون عليه حقائق الوجود «1» ..
فأما الذين لا يؤمنون بهذا القرآن ، ويعتسفون نفي هذه التصورات لمجرد أن العلم لم يصل إلى شيء منها ، فهم مضحكون حقا! فالعلم لا يعلم أسرار الموجودات الظاهرة بين يديه ، والتي يستخدمها في تجاربه. وهذا لا ينفي وجودها طبعا! فضلا على أن العلماء الحقيقيين أخذت كثرة منهم تؤمن بالمجهول على طريق المتدينين ، أو على الأقل لا ينكرون ما لا يعلمون! لأنهم بالتجربة وجدوا أنفسهم - عن طريقة العلم ذاته - أمام مجاهيل فيما بين أيديهم مما كانوا يحسبون أنهم فرغوا من الإحاطة بعلمه! فتواضعوا تواضعا علميا نبيلا ليست عليه سمة الادعاء ، ولا طابع التطاول على المجهول ، كما يتطاول مدعو العلم ومدعو التفكير العلمي ، ممن ينكرون حقائق الديانات ، وحقائق المجهول! إن الكون من حولنا حافل بالأسرار ، عامر بالأرواح ، حاشد بالقوى. وهذه السورة من القرآن - كغيرها - تمنحنا جوانب من الحقائق في هذا الوجود ، تعين على بناء تصور حقيقي صحيح للوجود وما فيه من قوى وأرواح وحيوات تعج من حولنا ، وتتفاعل مع حياتنا وذواتنا. وهذا التصور هو الذي يميز المسلم ويقف به وسطا بين الوهم والخرافة ، وبين الادعاء والتطاول. ومصدره هو القرآن والسنة. وإليهما يحاكم المسلم كل تصور آخر وكل قول وكل تفسير ..


إن هنالك مجالا للعقل البشري معينا في ارتياد آفاق المجهول : والإسلام يدفعه إلى هذا دفعا .. ولكن وراء هذا المجال المعين ما لا قدرة لهذا العقل على ارتياده ، لأنه لا حاجة به إلى ارتياده. وما لا حاجة له به في خلافة الأرض فلا مجال له إليه ، ولا حكمة في إعانته عليه. لأنه ليس من شأنه ، ولا داخلا في حدود اختصاصه.
والقدر الضروري له منه ليعلم مركزه في الكون بالقياس إلى ما حوله ومن حوله ، قد تكفل اللّه سبحانه ببيانه له ، لأنه أكبر من طاقته. وبالقدر الذي يدخل في طاقته. ومنه هذا الغيب الخاص بالملائكة والشياطين والروح والمنشأ والمصير ..
فأما الذين اهتدوا بهدى اللّه ، فقد وقفوا في هذه الأمور عند القدر الذي كشفه اللّه لهم في كتبه وعلى لسان رسله. وأفادوا منه الشعور بعظمة الخالق ، وحكمته في الخلق ، والشعور بموقف الإنسان في الأرض من هذه العوالم والأرواح. وشغلوا طاقاتهم العقلية في الكشف والعلم المهيأ للعقل في حدود هذه الأرض وما حولها من أجرام بالقدر الممكن لهم. واستغلوا ما علموه في العمل والإنتاج وعمران هذه الأرض والقيام بالخلافة فيها ، على هدى من اللّه ، متجهين إليه ، مرتفعين إلى حيث يدعوهم للارتفاع.
وأما الذين لم يهتدوا بهدى اللّه فانقسموا فرقتين كبيرتين :
فرقة ظلت تجاهد بعقولها المحدودة لإدراك غير المحدود من ذاته تعالى ، والمعرفة الحقيقية المغيبة عن غير طريق الكتب المنزلة. وكان منهم فلاسفة حاولوا تفسير هذا الوجود وارتباطاته ، فظلوا يتعثرون كالأطفال الذين يصعدون جبلا شاهقا لا غاية لقمته ، أو يحاولون حل لغز الوجود وهم لم يتقنوا بعد أبجدية الهجاء! وكانت لهم تصورات مضحكة - وهم كبار فلاسفة - مضحكة حقا حين يقرنها الإنسان إلى التصور الواضح المستقيم الجميل الذي ينشئه القرآن. مضحكة بعثراتها. ومضحكة بمفارقاتها. ومضحكة بتخلخلها. ومضحكة بقزامتها بالقياس إلى عظمة الوجود الذي يفسرونه بها .. لا أستثني من هذا فلاسفة الإغريق الكبار ، ولا فلاسفة المسلمين الذين قلدوهم في منهج التفكير. ولا فلاسفة العصر الحديث! وذلك حين يقاس تصورهم إلى التصور الإسلامي للوجود
فهذه فرقة. فأما الفرقة الأخرى ، فقد يئست من جدوى هذا الاتجاه في المعرفة. فعدلت عنه إلى حصر نفسها وجهدها في العلم التجريبي والتطبيقي. ضاربة صفحا عن المجهول. ، الذي ليس إليه من سبيل. وغير مهتدية فيه بهدى اللّه. لأنها لا تستطيع أن تدرك اللّه! وهذه الفرقة كانت في أوج غلوائها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكنها أخذت منذ مطلع هذا القرن تفيق من الغرور العلمي الجامح ، على هروب المادة من بين أيديها وتحولها إلى إشعاع «مجهول الكنه» ويكاد يكون مجهول القانون! وبقي الإسلام ثابتا على صخرة اليقين. يمنح البشر من المجهول القدر الذي لهم فيه خير. ويوفر طاقتهم العقلية للعمل في خلافة الأرض. ويهيئ لعقولهم المجال الذي تعمل فيه في أمن. ويهديهم للتي هي أقوم في المجهول وغير المجهول! بعد ذلك أخذ الجن يصفون حالهم وموقفهم من هدى اللّه بما نفهم منه أن لهم طبيعة مزدوجة كطبيعة الإنسان في الاستعداد للهدى والضلال.
( يتبع )













 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:30 PM   #226


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.






تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
ويحدثنا هذا النفر عن عقيدتهم في ربهم وقد آمنوا به. وعن ظنهم بعاقبة من يهتدي ومن يضل :
«وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ ، كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً. وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً. وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ : فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» ..
وهذا التقرير من الجن بأن منهم صالحين وغير صالحين ، مسلمين وقاسطين ، يفيد ازدواج طبيعة الجن ، واستعدادهم للخير والشر كالإنسان - إلا من تمحض للشر منهم وهو إبليس وقبيله - وهو تقرير ذو أهمية بالغة في تصحيح تصورنا العام عن هذا الخلق. فأغلبنا حتى الدارسين الفاقهين - على اعتقاد أن الجن يمثلون الشر ، وقد خلصت طبيعتهم له. وأن الإنسان وحده بين الخلائق هو ذو الطبيعة المزدوجة. وهذا ناشئ من مقررات سابقة في تصوراتنا عن حقائق هذا الوجود كما أسلفنا. وقد آن أن نراجعها على مقررات القرآن الصحيحة! وهذا النفر من الجن يقول : «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ» .. ويصف حالهم بصفة عامة : «كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً» .. أي لكل منا طريقته المنفصلة المقدودة المنقطعة عن طريقة الفريق الآخر.


ثم بين النفر معتقدهم الخاص بعد إيمانهم :
«وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ ، وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» ..
فهم يعرفون قدرة اللّه عليهم في الأرض ، ويعرفون عجزهم عن الهرب من سلطانه - سبحانه - والإفلات من قبضته ، والفكاك من قدره. فلا هم يعجزون اللّه وهم في الأرض ، ولا هم يعجزونه بالهرب منها. وهو ضعف العبد أمام الرب ، وضعف المخلوق أمام الخالق. والشعور بسلطان اللّه القاهر الغالب.
وهؤلاء الجن هم الذين يعوذ بهم رجال من الإنس! وهم الذين يستعين بهم الإنس في الحوائج! وهم الذين جعل المشركون بين اللّه - سبحانه - وبينهم نسبا! وهؤلاء هم يعترفون بعجزهم وقدرة اللّه. وضعفهم وقوة اللّه ، وانكسارهم وقهر اللّه ، فيصححون ، لا لقومهم فحسب بل للمشركين كذلك ، حقيقة القوة الواحدة الغالبة على هذا الكون ومن فيه.


ثم يصفون حالهم عند ما سمعوا الهدى ، وقد قرروه من قبل ، ولكنهم يكررونه هنا بمناسبة الحديث عن فرقهم وطوائفهم تجاه الإيمان :
«وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ» ..
كما ينبغي لكل من يسمع الهدى. وهم سمعوا القرآن. ولكنهم يسمونه هدى كما هي حقيقته ونتيجته.
ثم يقررون ثقتهم في ربهم ، وهي ثقة المؤمن في مولاه :
«فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً» ..
وهي ثقة المطمئن إلى عدل اللّه ، وإلى قدرته ، ثم إلى طبيعة الإيمان وحقيقته .. فاللّه - سبحانه - عادل.
ولن يبخس المؤمن حقه ، ولن يرهقه بما فوق طاقته. واللّه - سبحانه - قادر. فسيحمي عبده المؤمن من البخس وهو نقص الاستحقاق إطلاقا ، ومن الرهق وهو الجهد والمشقة فوق الطاقة. ومن ذا الذي يملك أن يبخس المؤمن أو يرهقه وهو في حماية اللّه ورعايته؟ ولقد يقع للمؤمن حرمان من بعض أعراض هذه الحياة الدنيا ولكن هذا ليس هو البخس ، فالعوض عما يحرمه منها يمنع عنه البخس. وقد يصيبه الأذى من قوى الأرض لكن هذا ليس هو الرهق ، لأن ربه يدركه بطاقة تحتمل الألم وتفيد منه وتكبر به! وصلته بربه تهوّن عليه المشقة فتمحضها لخيره في الدنيا والآخرة.
المؤمن إذن في أمان نفسي من البخس ومن الرهق : «فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً» .. وهذا الأمان يولد الطمأنينة والراحة طوال فترة العافية ، فلا يعيش في قلق وتوجس. حتى إذا كانت الضراء لم يهلع ولم يجزع ، ولم تغلق على نفسه المنافذ .. إنما يعد الضراء ابتلاء من ربه يصبر له فيؤجر. ويرجو فرج اللّه منها فيؤجر. وهو في الحالين لم يخف بخسا ولا رهقا. ولم يكابد بخسا ولا رهقا.
وصدق النفر المؤمن من الجن في تصوير هذه الحقيقة المنيرة.
( يتبع )





.
.


.
.
.


.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:31 PM   #227


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.






تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
ثم يقررون تصورهم لحقيقة الهدى والضلال ، والجزاء على الهدى والضلال :
«وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ. فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» ..
والقاسطون : الجائرون المجانبون للعدل والصلاح. وقد جعلهم هذا النفر من الجن فريقا يقابل المسلمين.
وفي هذا إيماءة لطيفة بليغة المدلول. فالمسلم عادل مصلح ، يقابله القاسط : الجائر المفسد ..
«فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً» .. والتعبير بلفظ «تَحَرَّوْا» يوحي بأن الاهتداء إلى الإسلام معناه الدقة في طلب الرشد والاهتداء - ضد الغي والضلال - ومعناه تحري الصواب واختياره عن معرفة وقصد بعد تبين ووضوح. وليس هو خبط عشواء ولا انسياقا بغير إدراك. ومعناه أنهم وصلوا فعلا إلى الصواب حين اختاروا الإسلام .. وهو معنى دقيق وجميل ..
<<أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً»
أي تقرر أمرهم وانتهى إلى أن يكونوا حطبا لجهنم ، تتلظى بهم وتزداد اشتعالا ، كما تتلظى النار بالحطب ..
ودل هذا على أن الجن يعذبون بالنار. ومفهومه أنهم كذلك ينعمون بالجنة .. هكذا يوحي النص القرآني.
وهو الذي نستمد منه تصورنا. فليس لقائل بعد هذا أن يقول شيئا يستند فيه إلى تصور غير قرآني ، عن طبيعة الجن وطبيعة النار أو طبيعة الجنة .. فسيكون ما قاله اللّه حقا بلا جدال! وما ينطبق على الجن مما بينوه لقومهم ، ينطبق على الإنس وقد قاله لهم الوحي بلسان نبيهم ..
وإلى هنا كان الوحي يحكي قول الجن بألفاظهم المباشرة عن أنفسهم ثم عدل عن هذا النسق إلى تلخيص مقالة لهم عن فعل اللّه مع الذين يستقيمون على الطريقة إليه ، وذكرها بفحواها لا بألفاظها :
«وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ، وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» ..


يقول اللّه - سبحانه - إنه كان من مقالة الجن عنا : ما فحواه أن الناس لو استقاموا على الطريقة ، أو أن القاسطين لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم نحن ماء موفورا نغدقه عليهم ، فيفيض عليهم بالرزق والرخاء ..
«لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ» .. ونبتليهم أيشكرون أم يكفرون.
وهذا العدول عن حكاية قول الجن إلى ذكر فحوى قولهم في هذه النقطة ، يزيد مدلولها توكيدا بنسبة الإخبار فيها والوعد إلى اللّه سبحانه. ومثل هذه اللفتات كثير في الأسلوب القرآني ، لإحياء المعاني وتقويتها وزيادة الانتباه إليها.
وهذه اللفتة تحتوي جملة حقائق ، تدخل في تكوين عقيدة المؤمن ، وتصوره عن مجريات الأمور وارتباطاتها.
والحقيقة الأولى : هي الارتباط بين استقامة الأمم والجماعات على الطريقة الواحدة الواصلة إلى اللّه ، وبين إغداق الرخاء وأسبابه وأول أسبابه توافر الماء واغدوداقه. وما تزال الحياة تجري على خطوات الماء في كل بقعة. وما يزال الرخاء يتبع هذه الخطوات المباركة حتى هذا العصر الذي انتشرت فيه الصناعة ، ولم تعد الزراعة هي المصدر الوحيد للرزق والرخاء. ولكن الماء هو الماء في أهميته العمرانية ..
وهذا الارتباط بين الاستقامة على الطريقة وبين الرخاء والتمكين في الأرض حقيقة قائمة. وقد كان العرب في جوف الصحراء يعيشون في شظف ، حتى استقاموا على الطريقة ، ففتحت لهم الأرض التي يغدودق فيها الماء ، وتتدفق فيها الأرزاق. ثم حادوا عن الطريقة فاستلبت منهم خيراتهم استلابا. وما يزالون في نكد وشظف ، حتى يفيئوا إلى الطريقة ، فيتحقق فيهم وعد اللّه.




وإذا كانت هناك أمم لا تستقيم على طريقة اللّه ، ثم تنال الوفر والغنى ، فإنها تعذب بآفات أخرى في إنسانيتها أو أمنها أو قيمة الإنسان وكرامته فيها ، تسلب عن ذلك الغنى والوفر معنى الرخاء. وتحيل الحياة فيها لعنة مشؤومة على إنسانية الإنسان وخلقه وكرامته وأمنه وطمأنينته (كما سبق بيانه في سورة نوح) ..
والحقيقة الثانية التي تنبثق من نص هذه الآية : هي أن الرخاء ابتلاء من اللّه للعباد وفتنة. ونبلوكم بالشر والخير فتنة. والصبر على الرخاء والقيام بواجب الشكر عليه والإحسان فيه أشق وأندر من الصبر على الشدة! على عكس ما يلوح للنظرة العجلى .. فكثيرون هم الذين يصبرون على الشدة ويتماسكون لها بحكم ما تثيره في النفس من تجمع ويقظة ومقاومة ومن ذكر للّه والتجاء إليه واستعانة به ، حين تسقط الأسناد في الشدة فلا يبقى إلا ستره. فأما الرخاء فينسي ويلهي ، ويرخي الأعضاء وينيم عناصر المقاومة في النفس ، ويهيئ الفرصة للغرور بالنعمة والاستنامة للشيطان! إن الابتلاء بالنعمة في حاجة ملحة إلى يقظة دائمة تعصم من الفتنة .. نعمة المال والرزق كثيرا ما تقود إلى فتنة البطر وقلة الشكر ، مع السرف أو مع البخل ، وكلاهما آفة للنفس والحياة ... ونعمة القوة كثيرا ما تقود إلى فتنة البطر وقلة الشكر مع الطغيان والجور ، والتطاول بالقوة على الحق وعلى الناس ، والتهجم على حرمات اللّه .. ونعمة الجمال كثيرا ما تقود إلى فتنة الخيلاء والتيه وتتردى في مدارك الإثم والغواية .. ونعمة الذكاء كثيرا ما تقود إلى فتنة الغرور والاستخفاف بالآخرين وبالقيم والموازين .. وما تكاد تخلو نعمة من الفتنة إلا من ذكر اللّه فعصمه اللّه ..
( يتبع )





.
.


.
.
.


.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:31 PM   #228


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.





تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
والحقيقة الثالثة أن الإعراض عن ذكر اللّه ، الذي قد تنتهي إليه فتنة الابتلاء بالرخاء ، مؤد إلى عذاب اللّه.
والنص يذكر صفة للعذاب «يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» .. توحي بالمشقة مذكان الذي يصعد في المرتفع يجد مشقة في التصعيد كلما تصعد. وقد درج القرآن على الرمز للمشقة بالتصعيد. فجاء في موضع : «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ «1»». وجاء في موضع : «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً . وهي حقيقة مادية معروفة. والتقابل واضح بين الفتنة بالرخاء وبين العذاب الشاق عند الجزاء! والآية الثالثة في السياق يجوز أن تكون حكاية لقول الجن ، ويجوز أن تكون من كلام اللّه ابتداء :
«وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» ..
وهي في الحالتين توحي بأن السجود - أو مواضع السجود وهي المساجد - لا تكون إلا للّه ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار. وينفرد الجو ويتمحض للعبودية الخالصة للّه. ودعاء غير اللّه قد يكون بعبادة غيره وقد يكون بالالتجاء إلى سواه وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير اللّه.
فإن كانت الآية من مقولات الجن فهي توكيد لما سبق من قولهم : «وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» في موضع خاص ، وهو موضع العبادة والسجود. وإن كانت من قول اللّه ابتداء ، فهي توجيه بمناسبة مقالة الجن وتوحيدهم لربهم ، يجيء في موضعه على طريقة القرآن.
وكذلك الآية التالية :
«وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» ..
أي متجمعين متكتلين عليه ، حين قام يصلي ويدعو ربه. والصلاة معناها في الأصل الدعاء.
فإذا كانت من مقولات الجن ، فهي حكاية منهم عن مشركي العرب ، الذين كانوا يتجمعون فئات حول رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو يصلي أو وهو يتلو القرآن كما قال في «سورة المعارج» : «فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ؟» .. يتسمعون في دهش ولا يستجيبون. أو وهم يتجمعون
لإيقاع الأذى به ، ثم يعصمه اللّه منهم كما وقع ذلك مرارا .. ويكون قول الجن هذا لقومهم للتعجيب من أمر هؤلاء المشركين! وإذا كانت من إخبار اللّه ابتداء ، فقد تكون حكاية عن حال هذا النفر من الجن ، حين سمعوا القرآن .. العجب .. فأخذوا ودهشوا ، وتكأكأوا على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعضهم لصق بعض ، كما تكون لبدة الصوف المنسوق شعرها ، بعضه لصق بعض! .. ولعل هذا هو الأقرب لمدلول الآية لاتساقه مع العجب والدهشة والارتياع والوهلة البادية في مقالة الجن كلها! واللّه أعلم ..


وعند ما تنتهي حكاية مقالة الجن عن هذا القرآن ، وعن هذا الأمر ، الذي فاجأ نفوسهم ، وهز مشاعرهم وأطلعهم على انشغال السماء والأرض والملائكة والكواكب بهذا الأمر وعلى ما أحدثه من آثار في نسق الكون كله وعلى الجد الذي يتضمنه ، والنواميس التي تصاحبه.
عند ما ينتهي هذا كله يتوجه الخطاب إلى الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - في إيقاعات جادة صارمة حاسمة ، بالتبليغ ، والتجرد من هذا الأمر كله بعد التبليغ ، والتجرد كذلك من كل دعوى في الغيب أو في حظوظ الناس ومقادرهم .. وذلك كله في جو عليه مسحة من الحزن والشجى تناسب ما فيه من جد ومن صرامة :
« قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً. قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً. قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً. قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ. فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
قل يا محمد للناس : «إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً» .. وهذا الإعلان يجيء بعد إعلان الجن لقومهم :
«وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. فيكون له طعمه وله إيقاعه. فهي كلمة الإنس والجن ، يتعارفان عليها. فمن شذ عنها كالمشركين فهو يشذ عن العالمين.
«قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً» .. يؤمر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يتجرد ، ويؤمر أن ينفض يديه من كل ادعاء لشيء هو من خصائص اللّه الواحد الذي يعبده ولا يشرك به أحدا. فهو وحده الذي يملك الضر ويملك الخير. ويجعل مقابل الضر الرشد ، وهو الهداية ، كما جاء التعبير في مقالة الجن من قبل : «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. فيتطابق القولان في اتجاههما وفي ألفاظهما تقريبا ، وهو تطابق مقصود في القصة والتعقيب عليها ، كما يكثر هذا في الأسلوب القرآني

وبهذا وذلك يتجرد الجن - وهو موضع الشبهة في المقدرة على النفع والضر - ويتجرد النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وتتفرد الذات الإلهية بهذا الأمر. ويستقيم التصور الإيماني على هذا التجرد الكامل الصريح الواضح.
«قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ...» ..
وهذه هي القولة الرهيبة ، التي تملأ القلب بجدية هذا الأمر .. أمر الرسالة والدعوة .. والرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبيرة .. إني لن يجيرني من اللّه أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ أو حماية ، إلا أن أبلغ هذا الأمر ، وأؤدي هذه الأمانة ، فهذا هو الملجأ الوحيد ، - وهذه هي الإجارة المأمونة.
إن الأمر ليس أمري ، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ ، ولا مفر لي من هذا التبليغ. فأنا مطلوب به من اللّه ولن يجيرني منه أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ يعصمني ، إلا أن أبلغ وأؤدي! يا للرهبة! ويا للروعة! ويا للجد! إنها ليست تطوعا يتقدم به صاحب الدعوة. إنما هو التكليف. التكليف الصارم الجازم ، الذي لا مفر من أدائه. فاللّه من ورائه! وإنها ليست اللذة الذاتية في حمل الهدى والخير للناس. إنما هو الأمر العلوي الذي لا يمكن التلفت عنه ولا التردد فيه! وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد .. إنها تكليف وواجب. وراءه الهول ، ووراءه الجد ، ووراءه الكبير المتعال! «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً».
فهو التهديد الظاهر والملفوف لمن يبلغه هذا الأمر ثم يعصي. بعد التلويح بالجد الصارم في التكليف بذلك البلاغ. وإذا كان المشركون يركنون إلى قوة وإلى عدد ، ويقيسون قوتهم إلى قوة محمد - صلى اللّه عليه وسلم - والمؤمنين القلائل معه ، فسيعلمون حين يرون ما يوعدون - إما في الدنيا وإما في الآخرة - «مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً» .. وأي الفريقين هو الضعيف المخذول القليل الهزيل! ونعود إلى مقالة الجن فنجدهم يقولون : «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» فنجد التعقيب على القصة يتناسق معها. ونجد القصة تمهد للتعقيب فيجيء في أوانه وموعده المطلوب! ثم يؤمر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يتجرد وينفض يديه من أمر الغيب أيضا :
«قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً» ..
( يتبع )





.
.


.
.
.


.
.
.



 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:32 PM   #229


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي







.
.
.


.
.
.


.
.
.






تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
إن الدعوة ليست من أمره ، وليس له فيها شي ء ، إلا أن يبلغها قياما بالتكليف ، والتجاء بنفسه إلى منطقة الأمان - الذي لا يبلغه إلا أن يبلغ ويؤدي. وإن ما يوعدونه على العصيان والتكذيب هو كذلك من أمر اللّه ، وليس له فيه يد ، ولا يعلم له موعدا. فما يدري أقريب هو أم بعيد يجعل له اللّه أمدا ممتدا. سواء عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. فكله غيب في علم اللّه وليس للنبي من أمره شي ء ، ولا حتى علم موعده متى يكون! واللّه - سبحانه - هو المختص بالغيب دون العالمين :
«عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً» ..
ويقف النبي - صلى اللّه عليه وسلم - متجردا من كل صفة إلا صفة العبودية. فهو عبد اللّه. وهذا وصفه في أعلى درجاته ومقاماته .. ويتجرد التصور الإسلامي من كل شبهة ومن كل غبش. والنبي - صلى اللّه عليه وسلم - يؤمر أن يبلغ فيبلغ : «قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً» ..
هناك فقط استثناء واحد .. وهو ما يأذن به اللّه من الغيب ، فيطلع عليه رسله ، في حدود ما يعاونهم على تبليغ دعوته إلى الناس. فما كان ما يوحي به إليهم إلا غيبا من غيبه ، يكشفه لهم في حينه ويكشفه لهم بقدر ، ويرعاهم وهم يبلغونه ، ويراقبهم كذلك .. ويؤمر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يعلن هذا في صورة جادة رهيبة :
«إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
فالرسل الذين يرتضيهم اللّه لتبليغ دعوته ، يطلعهم على جانب من غيبه ، هو هذا الوحي : موضوعه ، وطريقته ، والملائكة الذين يحملونه ، ومصدره ، وحفظه في اللوح المحفوظ .. إلى آخر ما يتعلق بموضوع رسالتهم مما كان في ضمير الغيب لا يعلمه أحد منهم.


وفي الوقت ذاته يحيط هؤلاء الرسل بالأرصاد والحراس من الحفظة ، للحفظ وللرقابة. يحمونهم من وسوسة الشيطان ونزغه ، ومن وسوسة النفس وتمنيتها ، ومن الضعف البشري في أمر الرسالة ، ومن النسيان أو الانحراف.
ومن سائر ما يعترض البشر من النقص والضعف .. والتعبير الرهيب - «فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» .. يصور الرقابة الدائمة الكاملة للرسول ، وهو يؤدي هذا الأمر العظيم .. «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» .. واللّه يعلم. ولكن المقصود هو أن يقع منهم البلاغ فيتعلق به علمه في عالم الواقع.
«وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ» .. فما من شيء في نفوسهم وفي حياتهم ومن حولهم ، إلا وهو في قبضة العلم لا يند منه شيء ..
« وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» .. لا يقتصر على ما لدى الرسل بل يحيط بكل شيء إحصاء وعدا ، وهو أدق الإحاطة والعلم! وتصور هذه الحال. والرسول محوط بالحراس والأرصاد. وعلم اللّه على كل ما لديه. وكل ما حوله.
وهو يتلقى التكليف جنديا لا يملك إلا أن يؤدي. ويمضي في طريقه ليس متروكا لنفسه ، ولا متروكا لضعفه ، ولا متروكا لهواه ، ولا متروكا لما يحبه ويرضاه. إنما هو الجد الصارم والرقابة الدقيقة. وهو يعلم هذا ويستقيم في طريقه لا يتلفت هنا أو هناك. فهو يعلم ماذا حوله من الحرس والرصد ، ويعلم ما هو مسلط عليه من علم وكشف! إنه موقف يثير العطف على موقف الرسول ، كما يثير الرهبة حول هذا الشأن الخطير.
وبهذا الإيقاع الهائل الرهيب تختم السورة ، التي بدأت بالروعة والرجفة والانبهار بادية في مقالة الجن الطويلة المفصلة ، الحافلة بآثار البهر والرجفة والارتياع! وتقرر السورة التي لا تتجاوز الثماني والعشرين آية ، هذا الحشد من الحقائق الأساسية التي تدخل في تكوين عقيدة المسلم ، وفي إنشاء تصوره الواضح المتزن المستقيم ، الذي لا يغلو ولا يفرط ، ولا يغلق على نفسه نوافذ المعرفة ، ولا يجري - مع هذا - خلف الأساطير والأوهام! وصدق النفر الذي آمن حين سمع القرآن ، وهو يقول : «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ» ..


قال محمد الغزالي:
سورة الجن:
في سورة الجن إشارات إلى طبيعة العقيدة عند النصارى، وكيف جعلوا المسيح ابنا لله وإلها معه! لقد انتشرت هذه القالة في أقطار الأرض، وولدت عليها أجيال، حتى جاء القرآن فنفاها بشدة مؤكدا أن الله واحد ليس له أولاد..! وكانت العقيدة النصرانية قد بلغت الجن فاعتنقوها، ثم عرفوا في تطوافهم بالأرض ما يناقضها {قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}. وشرع الجن يفصلون ما تابوا عنه وعرفوا خطأه. إنه ما يسوغ أن تكون لله صاحبة ولا أن ينسل منها ابنا {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا}. وذكروا أن الذي بلغهم ذلك موغل في الوهم {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا}. ثم اعتذروا عن غفلتهم في قبول هذه الشائعة بأنهم ما تصوروا أن يكذب أحد على الله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا}! ولكن رجالا من الإنس استمعوا إلى هذا اللغو ونشروه في الأرض وضللوا به جماهير غفيرة {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}. وقد حسب الجميع أن أبواب السماء غلقت فلن ينزل ملك يوحى، ولن يحمل بشر رسالة أخرى تعود بالإيمان إلى أصله الصحيح، وتؤكد ما بلغه المرسلون الأولون من وحدانية الله وسيطرته المطلقة على الملكوت كله. لكن الله بعث نبيه الخاتم من العرب فطوفت رسالته بالمشارق والمغارب، معلنة أن الله لا ولد له ولا والد. إن هذه الرسالة كانت مفاجأة للمخطئين {وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا}. والواقع أن الخطأ إذا سلحته الدولة بعنفوانها، وأقامت له أبراجا تدرسه وتحميه، ترك ظلاله في النفوس واستقرت أوضاعه قرونا. وقد نشر الاستعمار الرومانى عقيدة التثليث، واستطاع بالرغبة والرهبة أن يوطئ لها الأكناف. ولولا أن محمدا درع الحق الذي بعث به وفداه بالنفس والمال. لجعله الرومان في خبر كان.
ومن أين كان يعلم الجن أن الله واحد لا ولد له ولا والد. لولا الدعاة الذين حملوا الكتاب هنا وهناك، وقرعوا به الآذان؟ لقد شعرت الجن أن تغيرا ما يحدث في الكون، وأن الوحى النازل يحيط به حرس شديد حتى لا ينقص منه شيء {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا}. والغريب أن الحراسة التي صاحبت نزول القرآن من السماء لم تتركه وهو يسير في الأرض، فتحولت حفظا صانه حرفا حرفا ونغمة نغمة. وقد آمن الجن بالإسلام عن تصديق واقتناع {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا}. ويظهر أن أعدادا من الجن رفضت الانقياد للحق وعالنت بتمردها عليه! وليس في ذلك ما يدهش، أليس ذلك صنيع بنى آدم؟ {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
( يتبع )





.
.


.
.
.


.
.
.


 

رد مع اقتباس
قديم 03-14-2021, 08:32 PM   #230


مديح ال قطب متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي







.
.
.


.
.
.


.
.
.





تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وقد سألنى أحد الناس: أتعرف أحدا من الجن؟ فعرفت غرضه، وقلت: ما رأيت منهم أحدا. فقال: كيف تصدق بما لم تره؟ فقلت: ليس كل موجود يرى. إن الجراثيم لضالتها لا ترى، والكواكب لبعدها لا ترى، والقرآن يقرر ذلك عن الجن عندما يقول: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}. ويستحيل أن الكون الذي تقاس أبعاده بالسنين الضوئية لا يكون به إلا البشر. وقد قلت في كتاب لى: إن الذي يبنى قصرا من ألف طابق، لا يسكن الطابق الأرضى وحده ويدع الباقى تصفر فيه الرياح، فلم خلقه؟ إننى أومن بالله الذي خلق الإنس والجن والملائكة {وما يعلم جنود ربك إلا هو}. وتقرر السورة هنا حقيقة جديرة بالتأمل. إن معرفة الله لا تكفى، لابد من أداء حقوقه على السراء والضراء. إن بعض الناس ينتمون إلى الله ويتمتعون بنعمته، ولكنهم يشغلون بها عنه ويحيون لأنفسهم وحدها. وقد رأيت جماهير من هذا الصنف. بل إن انتشار الكفر في الأرض يعود لمسالك أقوام عليهم الوحى، فلم يتجردوا له ويقوموا بحقه! في هؤلاء يقول الله: {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا}.. ومن الإعراض المذموم أن تنشغل بما آتاك الله عما يجب عليك نحوه. وخواتيم هذه السورة تشهد لصاحب الرسالة بالبلاغ والتجرد {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا}. في الدنيا الآن نفر من رجال الدين يزعمون أنهم يملكون المغفرة للمخطئين، وأن مفاتيح دار الخلد بأيديهم!! وهذه المزاعم هي الثمرة الوحيدة للجهل بالله وسوء العلاقة معه، أما محمد خاتم النبيين فله شأن آخر {قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}. إنه عبد لله الواحد، يجاهد الشرك والخرافة وينطلق بعقيدة التوحيد ليملأ بها أرجاء العالم، وقد قسم أتباعه الليل والنهار فلا تمر برهة على خطوط الطول والعرض إلا وصائح في الشرق والغرب يهتف: الله أكبر الله أكبر... لا إله إلا الله.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قال الزيلعي:
سورة الجن ذكر فِيها سِتّة أحادِيث:
الحديث الأول:
فِي حديث عمر «كان الرجل منا إِذا قرأ الْبقرة وآل عمران جد فِينا» ورُوِي «فِي أعيينا».
قلت غرِيب من حديث عمر وقد تقدم فِي أوائِل الْبقرة من حديث انس رواهُ احْمد.
الحديث الثّانِي:
روى الزُّهْرِيّ عن علّي بن الْحُسيْن عن ابْن عبّاس رضِي اللّهُ عنْهم قال «بيْنما رسُول الله صلى الله عليه وسلم جالس فِي نفر من الْأنْصار إِذْ رمي بِنجْم فاسْتنار فقال ما كُنْتُم تقولون فِي مثل هذا قالوا كُنّا نقول يمُوت عظِيم أو يُولد عظِيم».
قلت رواهُ مُسلم فِي صحِيحه فِي كتاب الطِّبّ من حديث الْأوْزاعِيّ عن الزُّهْرِيّ عن علّي بن الْحُسيْن عن ابْن عبّاس اخبرني رجل من الْأنْصار قال «بيْنما هم جُلُوس ليْلة مع النّبِي صلى الله عليه وسلم إِذْ رمي بِنجْم فاسْتنار فقال ما كُنْتُم تقولون فِي مثل هذا فِي الْجاهِلِيّة إِذا رأيْتُمُوهُ قالوا كُنّا نقول يمُوت عظِيم أو يُولد عظِيم فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم فإِنّهُ لا يُرْمى بِهِ لموْت اُحْدُ ولا لِحياتِهِ ولكِن ربنا تعالى إِذا قضى أمرا تسبح حملة الْعرْش ثمّ يسبح أهل السّماء الّذين يلُونهُمْ ثمّ الّذين يلُونهُمْ ثمّ الّذين يلُونهُمْ حتّى يبلغ التّسْبِيح إِلى هذِه السّماء ثمّ سأل أهل السّماء السّادِسة أهل السّابِعة ماذا قال ربكُم قال فيُخْبِرُونهُمْ ثمّ تسْتجِيب أهل كل سماء حتّى يبلغ الْخبر أهل السّماء الدُّنْيا ويُتخطّف الشّياطِين السّمع فيقْذِفُونهُ إِلى أوْلِيائِهِمْ فما جاءُوا بِهِ على وجهه فهُو حق ولكنهُمْ يحرفُون ويزِيدُون».
ورواهُ التِّرْمِذِيّ فِي كِتابه فِي تفْسِير سُورة سبأ من حديث معمر عن الزُّهْرِيّ عن علّي بن الْحُسيْن عن ابْن عبّاس قال بيْنما رسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل فِيهِ اخبرني رجال من الْأنْصار وقال فِيهِ حسن صحِيح انتهى.
ورواهُ جماعة كما رواهُ مُسلم وآخرُون كما رواهُ التِّرْمِذِيّ.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قوله:
قال عمر رضِي اللّهُ عنْه «ما تصعّدنِي شيْء ما تصعّدتْنِي خطْبة النِّكاح».
قلت رواهُ أبُو عبيد الْقاسِم بن سلام وإِبْراهِيم الْحرْبِيّ فِي غريبيهما من حديث حمّاد بن سلمة عن هِشام بن عُرْوة عن أبِيه عن عمر أنه قال «ما تصعّدنِي شيْء...» إِلى آخِره قال أبُو عبيد ومعْناهُ أي ما شقّ علّي وكل شيْء فعلته بِمشقّة فقد تصعدك قال تعالى كأنّما يصعد فِي السّماء قال وأرى أن أصل هذا من الصعُود وهِي الْعقبة الْمُنكرة قال تعالى: {سأُرْهِقُهُ صعُودا} انْتهى كلامه.
الحديث الثّالِث:
قال النّبِي صلى الله عليه وسلم «الْمُؤمن من أمنه النّاس على أنفسهم وأمْوالهمْ».
قلت رُوِي من حديث أبي هُريْرة ومن حديث فضالة بن عبيد ومن حديث انس ومن حديث أبي مالك الْأشْعرِيّ ومن حديث واثِلة بن الْأسْقع ومن حديث عبد الله بن عمْرو بن الْعاصِ.
أما حديث أبي هُريْرة فرواهُ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْإِيمان من حديث الْقعْقاع عن أبي صالح عن أبي هُريْرة قال قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم «الْمُسلم من سلم الْمُسلمُون من لِسانه ويده والْمُؤمن من أمنه النّاس على دِمائِهِمْ وأمْوالهمْ» انْتهى وقال حديث حسن صحِيح انتهى.
ورواهُ ابْن حبان فِي صحِيحه فِي النّوْع التّاسِع والْأرْبعِين من الْقسم الثّالِث والْحاكِم فِي مُسْتدْركه فِي كتاب الْإِيمان وفِي لفظ لهُ «على أنفسهم وأمْوالهمْ» وقال لم يخرجاهُ بِهذِهِ الزِّيادة وهِي صحِيحة على شرط مُسلم.
وأما حديث فضالة بن عبيد فرواهُ ابْن ماجة فِي سننه فِي كتاب الْفِتن من حديث عمْرو بن مالك الْجنبي عن فضالة بن عبيد أن النّبِي صلى الله عليه وسلم قال «الْمُؤمن من أمنه النّاس على أنفسهم وأمْوالهمْ والْمُهاجِر من هجر الْخطايا والذنُوب» انْتهى.
ورواهُ ابْن حبان فِي صحِيحه فِي النّوْع السّادِس والسِّتِّين من الْقسم الثّالِث والْحاكِم فِي الْمُسْتدْرك وقال صحِيح على شرط مُسلم ولم يخرجاهُ.
وأما حديث انس فرواهُ ابْن حبان فِي صحِيحه فِي النّوْع الأول من الْقسم الأول من حديث حمّاد بن سلمة عن يُونُس بن عبيد وحميد عن أنس مرفوعا من لفظ التِّرْمِذِيّ.
ورواهُ الْحاكِم فِي الْمُسْتدْرك أيْضا وقال إِنّه صحِيح على شرط مُسلم ولم يخرجاهُ.
وأما حديث أبي مالك الْأشْعرِيّ فرواهُ الطّبرانِيّ فِي مُعْجمه حدثنا هاشم ابْن مرْثد ثنا مُحمّد بن إِسْماعِيل بن عيّاش حدثنِي أبي ثنا ضمْضم بن زرْعة عن شُريْح بن عبيد عن أبي مالك الْأشْعرِيّ «أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال فِي حجّة الْوداع أليْس هذا الْيوْم الْحرام قالوا بلى يا رسُول الله قال فإِن حُرْمة ما بيْنكُم إِلى يوْم الْقِيامة كحُرْمةِ هذا الْيوْم وأُحدِّثكُمْ عن الْمُسلم الْمُسلم من سلم الْمُسلمُون من لِسانه ويده وأُحدِّثكُمْ من الْمُؤمن الْمُؤمن من أمنه النّاس على أنفسهم وأمْوالهمْ وأُحدِّثكُمْ من المُهاجر المُهاجر من هجر السّيِّئات».
حدثنا الْعبّاس بن الْفضل الْأسْفاطِي ثنا إِسْماعِيل بن أبي أويس ثني إِسْماعِيل ابْن عبد الله بن خالِد بن سعيد بن أبي مرْيم عن جده سمِعت أبا مالك.. فذكره.
وأما حديث واثِلة بن الْأسْقع فرواهُ الطّبرانِيّ فِي مُعْجمه أيْضا ثنا جعْفر ابْن احْمد بن سِنان الواسِطِيّ ثنا أحْمد بن الْمِقْدام أبُو الْأشْعث ثنا عبْثر بن الْقاسِم ثنا الْعلاء بن ثعْلبة عن أبي الْمليح الْهُذلِيّ عن واثِلة بن الْأسْقع قال «رأيْت النّبِي صلى الله عليه وسلم بِمسْجِد الْخيف فقلت لهُ يا رسُول الله أفْتِنا فِي أمر نأْخُذهُ عنْك من بعْدك قال تدع ما يريبك إِلى ما لا يريبك وإِن أفْتاك الْمفْتُون قلت وكيف لي بذلك قال تضع يدك على فُؤادك فإِن الْقلب يسكن للْحلال ولا يسكن لِلْحرامِ وإِن الْمُسلم الْورع يدع الصّغِير مخافة أن يقع فِي الْكبِير قلت يا رسُول الله فما الْمعْصِية قال الّذِي يعين قومه على الظُّلم قلت فمن الْحرِيص قال الّذِي يطْلب الْكسْب من غير حل قلت فمن الْورع قال الّذِي يقف عِنْد الشُّبْهة قلت فمن الْمُؤمن قال من أمنه النّاس على أمْوالهم ودِمائِهِمْ قلت فمن الْمُسلم قال من سلم النّاس من لِسانه ويده قلت فأي الْجِهاد أفضل قال كلمة حق عِنْد إِمام جائِر» انتهى.
ورواهُ أبُو يعْلى الْموصِلِي فِي مُسْنده حدثنا أبُو الْأشْعث احْمد بن الْمِقْدام بِهِ.
وأما حديث ابْن الْعاصِ فرواهُ عبد بن حميد فِي مُسْنده حدثنا عبد الله بن يزِيد الْمُقرئ ثنا عبد الرّحْمن بن زِياد بن أنعم الإفْرِيقِي عن عبد الله بن يزِيد عن عبد الله ابْن عمْرو بن الْعاصِ «أن رجلا قال يا رسُول الله من الْمُسلم قال من سلم الْمُسلمُون من يده ولسانه قال فمن الْمُؤمن قال من أمنه النّاس على أنفسهم وأمْوالهمْ قال فمن المُهاجر قال من هجر السّيِّئات قال فمن الْمُجاهِد قال من جاهد نفسه لله عز وجل» انْتهى.
( يتبع )





.
.


.
.
.


.
.
.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:37 AM

أقسام المنتدى

۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ أرصفة عامة}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون للنقاش والحوار الجاد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مرافئ الترحيب والإستقبال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سعادة الأسرة بــ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني أنثى نقية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ النكهات المطبخية وفن الوصفات}۩۞۩ @ ۩۞۩{ آفاق إجتماعية في حياة الطفل }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الطب والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ جنة الأزواج }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الديكور والأثاث المنزلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ متنفسات شبابية في رحاب سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني رجل بـ كاريزما }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون صدى الملاعب }۩۞۩ @ ۩۞۩{ عالم الإبداع والتكنولوجيا }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الكمبيوتر والبرامج }۩۞۩ @ ღ مـنـتـدى البـرامــج ღ @ ღ منتدى التصاميم والجرافكس والرسم ღ @ ۩۞۩{ مرافي التبريكات والتهاني }۩۞۩ @ ۩۞۩{ شرفات من ضوء لـ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الصور والغرائب }۩۞۩ @ ღ سكون قسم الألعاب والتسلية والمرح ღ @ ღ المواضيع المكررة والمحذوفه والمقفله ღ @ ۩۞۩{ محكمة سكون القمر الإدارية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ قسم الإدارة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رطب مسمعك ومتع عينيك }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم السري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الفعاليات والمسابقات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ السياحة والسفر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الأخبار المحلية والعالمية }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون اليوتيوب YouTube }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تاجك يا عروس شكل تاني }۩۞۩ @ الآطباق الرئسية والمعجنات والصائر @ أزياء ألاطفال @ ۩۞۩{ ملتقى الأرواح في سماء سكون القمر}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ شؤون إدآرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منتدى المنوعات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الشخصيات والقبائل العربية والانساب }۩۞۩ @ البرامج وملحقات الفوتوشوب @ ۩۞۩{قسم التعازي والمواساه والدعاء للمرضى }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ تطوير الذات وعلم النفس }۩۞۩ @ ღ خاص بالزوار ღ @ ۩۞۩{ سكون خاص لعدسة الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{ فصول من قناديل سكون القمر }۩۞۩ @ منتدى كلمات الاغاني @ خدمة الاعضاء وتغيير النكات والاقتراحات والشكاوي @ ۩۞۩{ الهطول المميز بقلم العضو}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لاعجاز وعلوم وتفسير القرآن الكريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ساحة النون الحصرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القصيد الحصري بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الحصرية بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{القصص الحصرية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ متحف سكون ( لا للردود هنا) }۩۞۩ @ ۩۞۩{ دواوين الأعضاء الأدبية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منوعات أدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ماسبق نشره بقلم الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{الخواطر وعذب الكلام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشعر والقصائد}۩۞۩ @ ۩۞۩{عالم القصة والرواية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الأدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{فنجان قهوة سكون }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات الأعضاء المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تقنية المواضيع }۩۞۩.! @ ۩۞۩{ نزار قباني }۩۞۩.! @ ۩۞۩{الشلات والقصائد الصوتية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتبة شايان}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة منى بلال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة أنثى برائحة الورد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الردود المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{في ضيافتي }۩۞۩ @ ۩۞۩{كرسي الاعتراف }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الادبية عطاف المالكي شمس }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لــ الفتاوى والشبهات }۩۞۩ @ ۩۞۩{حصريات مطبخ الأعضاء }۩۞۩ @ قسم النكت @ ۩۞۩{ المجلس الإداري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الاديب نهيان }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ الطب والحياه }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم الترفيهي}۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات خاصة }۩۞۩ @ ۩۞۩{دواووين شعراء الشعر الحديث والجاهلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتب مديح ال قطب}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الخيمة الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المسابقات والفعاليات الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رمضان كريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الفتاوي الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المطبخ الرمضاني}۩۞۩ @ ۩۞۩{ يلا نٍسأل }۩۞۩ @ قسم الزوار @ مشاكل الزوار @ الارشيف @ دروس الفوتوشوب @ تنسيق وتزيين المواضيع @



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا