ننتظر تسجيلك هـنـا


{ اعلانات سكون القمر ) ~
  <
 
بأيدينا نعلوا بمنتدانا وبمشاركاتكم وكلماتكم نرتقي فلا تقرأ وتمضي ..... الى من يواجه اي مشكلة للدخول وعدم استجابة الباسورد ان يطرح مشكلته في قسم مشاكل الزوار او التواصل مع الاخ نهيان عبر التويتر كلمة الإدارة


العودة   منتديات سكون القمر > ۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ > ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩

۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ |!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",,

-==(( الأفضل خلال اليوم ))==-
أفضل مشارك : أفضل كاتب :
بيانات ضي القمر
اللقب
المشاركات 31974
النقاط 146049
بيانات نهيان
اللقب
المشاركات 173170
النقاط 6618152


التعريف بسور القرآن الكريم وأسباب النزول ومحاور ومقاصد السور

|!.. غيمة الرُوُح ْ فِي رِِحَابِ الإيمَانْ " مَذْهَبْ أهْلُ السُنَةِ وَالجَمَاعَة ",,


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-31-2021, 12:55 PM   #141


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي


























تابع – سورة الطلاق

محور مواضيع السورة :

وعقب بيان الحكم تجيء اللمسات والتوجيهات تترى :
«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ» ..
فالقضية قضية اللّه ، والشهادة فيها للّه ، هو يأمر بها ، وهو يراقب استقامتها ، وهو يجزي عليها. والتعامل فيها معه لا مع الزوج ولا الزوجة ولا الناس! «ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ».

والمخاطبون بهذه الأحكام هم المؤمنون المعتقدون باليوم الآخر. فهو يقول لهم : إنه يعظهم بما هو من شأنهم.
فإذا صدقوا الإيمان به وباليوم الآخر فهم إذن سيتعظون ويعتبرون. وهذا هو محك إيمانهم ، وهذا هو مقياس دعواهم في الإيمان! «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» ..

مخرجا من الضيق في الدنيا والآخرة ، ورزقا من حيث لا يقدر ولا ينتظر. وهو تقرير عام ، وحقيقة دائمة.
ولكن إلصاقها هنا بأحكام الطلاق يوحي بدقة انطباقها وتحققها عند ما يتقي المتقون اللّه في هذا الشأن بصفة خاصة. وهو الشأن الذي لا ضابط فيه أحس ولا أدق من ضابط الشعور والضمير ، فالتلاعب فيه مجاله واسع ، لا يقف دونه إلا تقوى اللّه وحساسية الضمير.

«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ» ..
فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع ، ومسالكه كثيرة ، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة ، والتوكل على اللّه ، وهو كاف لمن يتوكل عليه. فاللّه بالغ أمره. فما قدر وقع ، وما شاء كان فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر ، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء.

والنص عام. والمقصود به هو إنشاء التصور الإيماني الصحيح في القلب ، بالنسبة لإرادة اللّه وقدره .. ولكن وروده هنا بمناسبة أحكام الطلاق له إيحاؤه في هذا المجال وأثره.

«قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» ..
فكل شيء مقدر بمقداره ، وبزمانه ، وبمكانه ، وبملابساته ، وبنتائجه وأسبابه. وليس شيء مصادفة ، وليس شيء جزافا. في هذا الكون كله ، وفي نفس الإنسان وحياته .. وهي حقيقة ضخمة يقوم عليها جانب كبير من التصور الإيماني. (و قد فصلنا الحديث عنها عند استعراض قوله تعالى : «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» في سورة الفرقان. وعند قوله تعالى : «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» .. في سورة القمر). ولكن ذكر هذه الحقيقة الكلية هنا يربط بها ما قدره اللّه عن الطلاق وفترته ، والعدة ووقتها ، والشهادة وإقامتها. ويطبع هذه الأحكام بطابع السنة الإلهية النافذة ، والناموس الكلي العام. ويوقع في الحس أن الأمر جد من جد النظام الكوني المقدر في كل خلق اللّه.

«وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ - إِنِ ارْتَبْتُمْ - فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً. ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً».

وهذا تحديد لمدة العدة لغير ذوات الحيض والحمل. يشمل اللواتي انقطع حيضهن ، واللاتي لم يحضن بعد لصغر أو لعلة. ذلك أن المدة التي بينت من قبل في سورة البقرة كانت تنطبق على ذوات الحيض - وهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات. حسب الخلاف الفقهي في المسألة - فأما التي انقطع حيضها والتي لم تحض أصلا فكان حكمها موضع لبس : كيف تحسب عدتها؟ فجاءت هذه الآية تبين وتنفي اللبس والشك ، وتحدد ثلاثة أشهر لهؤلاء وهؤلاء ، لاشتراكهن في عدم الحيض الذي تحسب به عدة أولئك. أما الحوامل فجعل عدتهن هي الوضع. طال الزمن بعد الطلاق أم قصر. ولو كان أربعين ليلة فترة الطهر من النفاس. لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة ، فلا حاجة إلى الانتظار. والمطلقة تبين من مطلقها بمجرد الوضع ، فلا حكمة في انتظارها بعد ذلك ، وهي غير قابلة للرجعة إليه إلا بعقد جديد على كل حال. وقد جعل اللّه لكل شيء قدرا. فليس هناك حكم إلا ووراءه حكمة.

هذا هو الحكم ثم تجيء اللمسات والتعقيبات :
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» ..
واليسر في الأمر غاية ما يرجوه إنسان. وإنها لنعمة كبرى أن يجعل اللّه الأمور ميسرة لعبد من عباده. فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة. يأخذ الأمور بيسر في شعوره وتقديره. وينالها بيسر في حركته وعمله. ويرضاها بيسر في حصيلتها ونتيجتها. ويعيش من هذا في يسر رخي ندي ، حتى يلقى اللّه .. ألا إنه لإغراء باليسر في قضية الطلاق مقابل اليسر في سائر الحياة! «ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ» ..

وهذه لمسة أخرى في جانب آخر. لمسة الجد والانتباه إلى مصدر الأمر .. فقد أنزله اللّه. أنزله للمؤمنين به ، فطاعته تحقيق لمعنى الإيمان ، ولحقيقة الصلة بينهم وبين اللّه.

ثم عودة إلى التقوى التي يدق عليها دقا متواصلا في هذا المجال :
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» ..
فالأولى تيسير للأمور. والثانية تكفير للسيئات وإعظام للأجر بعد التكفير .. فهو الفيض المغري والعرض المثير. وهو حكم عام ووعد شامل. ولكنه يخلع على موضوع الطلاق ظلاله ، ويغمر القلب بالشعور باللّه وفضله العميم. فما له إذن يعسر ويعقد واللّه يغمره بالتيسير والمغفرة والأجر الكبير؟


«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ. وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ، وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى . لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..

وهذا هو البيان الأخير لتفصيل مسألة الإقامة في البيوت ، والإنفاق في فترة العدة - على اختلاف مدتها.
فالمأمور به هو أن يسكنوهن مما يجدون هم من سكنى. لا أقل مما هم عليه في سكناهم ، وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم. غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن أو مستواه أو في المعاملة فيه. وخص ذوات الأحمال بذكر النفقة - مع وجوب النفقة لكل معتدة - لتوهم أن طول مدة الحمل يحدد زمن الإنفاق ببعضه دون بقيته ، أو بزيادة عنه إذا قصرت مدته. فأوجب النفقة حتى الوضع ، وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي.

ثم فصل مسألة الرضاعة فلم يجعلها واجبا على الأم بلا مقابل. فما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما ، فمن حقها أن تنال أجرا على رضاعته تستعين به على حياتها وعلى إدرار اللبن للصغير ، وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة. وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد ، ويتشاورا في أمره ورائدهما مصلحته ، وهو أمانة بينهما ، فلا يكون فشلهما هما في حياتهما نكبة على الصغير البريء فيهما! وهذه هي المياسرة التي يدعوهما اللّه إليها. فأما إذا تعاسرا ولم يتفقا بشأن الرضاعة وأجرها ، فالطفل مكفول الحقوق : «فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى » .. دون اعتراض من الأم ودون تعطيل لحق الطفل في الرضاعة ، بسبب تعاسرهما بعد فشلهما! ثم يفصل الأمر في قدر النفقة. فهو اليسر والتعاون والعدل. لا يجور هو ، ولا تتعنت هي. فمن وسع اللّه عليه رزقه فلينفق عن سعة. سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة. ومن ضيق عليه في الرزق ، فليس عليه من حرج ، فاللّه لا يطالب أحدا أن ينفق إلا في حدود ما آتاه. فهو المعطي ، ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه اللّه. فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر ، وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» ..
ثم لمسة الإرضاء ، وإفساح الرجاء ، للاثنين على السواء :
«سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..
فالأمر منوط باللّه في الفرج بعد الضيق ، واليسر بعد العسر. فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله ، وأن يتجها إليه بالأمر كله ، وأن يراقباه ويتقياه والأمر كله إليه. وهو المانح المانع. القابض الباسط. وبيده الضيق والفرج ، والعسر واليسر ، والشدة والرخاء.


وإلى هنا يكون قد تناول سائر أحكام الطلاق ومتخلفاته ، وتتبع كل أثر من آثاره حتى انتهى إلى حل واضح ولم يدع من البيت المتهدم أنقاضا ولا غبارا يملأ النفوس ويغشى القلوب ، ولم يترك بعده عقابيل غير مستريحة بعلاج ، ولا قلاقل تثير الاضطراب.

وكذلك يكون قد عالج جميع الوساوس والهواجس التي تثور في القلوب ، فتمنعها من السماحة والتيسير والتجمل للأمر. فأبعد أشباح الفقر والضيق وضياع الأموال من نفس الزوج إذا هو أسكن وأنفق ووسع على مطلقته أو مرضعة ولده. ومن نفس الزوجة التي تضيق بنفقة الإعسار ، أو تطمع في زيادة ما تصيب من مال زوجها السابق. فأكد اليسر بعد العسر لمن اتقى ، والضيق بعد الفرج ، والرزق من حيث لا يحتسب ، وفوق رزق الدنيا رزق الآخرة والأجر الكبير هناك بعد التكفير.

كما عالج ما تخلفه حالة الخلاف والشقاق التي أدت إلى الطلاق. من غيظ وحنق ومشادة وغبار في الشعور والضمير .. فمسح على هذا كله بيد الرفق والتجمل ، ونسم عليه من رحمة اللّه والرجاء فيه ومن ينابيع المودة والمعروف التي فجرها في القلوب بلمسات التقوى والأمل في اللّه وانتظار رضاه.

وهذا العلاج الشامل الكامل ، وهذه اللمسات المؤثرة العميقة ، وهذا التوكيد الوثيق المتكرر .. هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة. فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب. وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون!! وبعض الأوامر من المرونة بحيث تسع كل هذا. فالأمر بعدم المضارة : «وَلا تُضآرُّوهُنَّ» يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع. والأمر فيه موكول إلى هذه المؤثرات الوجدانية ، وإلى استجاشة حاسة التقوى وخوف اللّه المطلع على السرائر ، المحيط بكل شيء علما. وإلى التعويض الذي يعده اللّه للمتقين في الدنيا والآخرة. وبخاصة في مسألة الرزق التي تكرر ذكرها في صور شتى ، لأنها عامل مهم في تيسير الموقف ، وتندية الجفاف الذي تنشئه حالة الطلاق ..

وإن الزوجين ليفارقان - في ظل تلك الأحكام والتوجيهات - وفي قلوبهما بذور للود لم تمت ، ونداوة قد تحيي هذه البذور فتنبت .. ذلك إلى الأدب الجميل الرفيع الذي يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة ، ويشيع فيها أرجه وشذاه.


فإذا انتهى السياق من هذا كله ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا. وعلق هذه العبرة على الرؤوس ، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع.

كما تذكرهم بنعمة اللّه على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع :
«وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ ، فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً. فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها ، وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً. فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً : رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» ..

وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد. كما أنه تذكير عميق بنعمة اللّه بالإيمان والنور ، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه.

فأخذ اللّه لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة : «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً». وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير ، ثم تصوير العاقبة وسوء المصير : «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» .. ثم تأخير صورة هذه العاقبة الخاسرة في الآية التالية : «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» .. كل هذا لإطالة المشهد وتفصيل خطواته ومراحله. وهي طريقة من طرق الأسلوب القرآني في تعميق الأثر في الحس وإطالة مكثه في الأعصاب .

ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن اللّه أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله ..

ونجد أن هذا التحذير يساق هنا بمناسبة الطلاق وأحكامه ، فيرتبط الطلاق وحكمه بهذه السنة الكلية. ويوحي هذا الارتباط أن أمر الطلاق ليس أمر أسر أو أزواج. إنما هو أمر الأمة المسلمة كلها. فهي المسئولة عن هذا الأمر. وهي المسئولة فيه عن شريعة اللّه. ومخالفتها عن أمر اللّه فيه - أو مخالفتها عن أمر اللّه في غيره من أحكام هذا النظام ، أو هذا المنهج الإلهي المتكامل للحياة - هي عتو عن أمر اللّه ، لا يؤاخذ به الأفراد الذين يرتكبونه ، إنما تؤاخذ به القرية أو الأمة التي تقع فيها المخالفة ، والتي تنحرف في تنظيم حياتها عن نهج اللّه وأمره فقد جاء هذا الدين ليطاع ، ولينفذ كله ، وليهيمن على الحياة كلها. فمن عتا عن أمر اللّه فيه - ولو كان هذا في أحوال الأفراد الشخصية - فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة اللّه التي لا تتخلف أبدا.

( يتبع )





مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 12:56 PM   #142


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي




























تابع – سورة الطلاق

محور مواضيع السورة :

وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا .. ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير.
ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج اللّه في الأرض. ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال. ذاقته فسادا وانحلالا ، وفقرا وقحطا ، وظلما وجورا ، وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام ، ولا طمأنينة فيها ولا استقرار. وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير! وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر اللّه ونهجه في الحياة حيث يقول اللّه : «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» .. واللّه أصدق القائلين.

إن هذا الدين منهج نظام جماعي - كما أسلفنا الحديث في سورة الصف - جاء لينشئ جماعة مسلمة ذات نظام خاص. وجاء ليصرف حياة هذه الجماعة كلها. ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه ، مسؤولة عن أحكامه.
ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.

وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا. الذين هدتهم ألبابهم إلى الإيمان.
يهتف بهم ليتقوا اللّه الذي أنزل لهم الذكر : «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» .. ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - فيجعل شخصه الكريم هو الذكر ، أو بدلا منه في العبارة : «رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ» ..
وهنا لفتة مبدعة عميقة صادقة ذات دلائل منوعة ..

إن هذا الذكر الذي جاء من عند اللّه مر إليهم من خلال شخصية الرسول الصادق حتى لكأن الذكر نفذ إليهم مباشرة بذاته ، لم تحجب شخصية الرسول شيئا من حقيقته.

والوجه الثاني لإيحاء النص هو أن شخصية الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - قد استحالت ذكرا ، فهي صورة مجسمة لهذا الذكر صنعت به فصارت هو. وهو ترجمة حية لحقيقة القرآن. وكذلك كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهكذا وصفته عائشة - رضي اللّه عنها - وهي تقول : «كان خلقه القرآن» .. وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة. وكان هو القرآن يواجه الحياة!
وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح ، وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبدا. وتذكير بأن هذا الرزق هو أحسن الرزق ، فلا يقاس إليه رزق الأرض : «قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» .. وهو الرازق في الدنيا والآخرة ، ولكن رزقا خير من رزق ، واختياره للأحسن هو الاختيار الحق الكريم.
وهكذا يلمس نقطة الرزق مرة أخرى ، ويهون بهذه الإشارة من رزق الأرض ، إلى جانب رزق الجنة.
بعد ما وعد في المقاطع الأولى بسعة رزق الأرض أيضا ..


وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع الكوني الهائل ، فيربط موضوع السورة وتشريعاتها وتوجيهاتها بقدر اللّه وقدرة اللّه ، وعلم اللّه ، في المجال الكوني العريض :

«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» ..

والسماوات السبع لا علم لنا بحقيقة مدلولها وأبعادها ومساحاتها. وكذلك الأراضي السبع. فقد تكون أرضنا هذه التي نعرفها واحدة منهن والباقيات في علم اللّه. وقد يكون معنى مثلهن أن هذه الأرض من جنس السماوات فهي مثلهن في تركيبها أو خصائصها .. وعلى أية حال فلا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يصل إليه علمنا ، لأن علمنا لا يحيط بالكون ، حتى نقول على وجه التحقيق : هذا ما يريده القرآن. ولن يصح أن نقول هكذا إلا يوم يعلم الإنسان تركيب الكون كله علما يقينيا .. وهيهات ..!

فننتفع بإيحاء هذه الإشارة إلى تلك الحقيقة في مجالها النفسي ، وفي إنشاء التصور الإيماني الكوني الصحيح.

والإشارة إلى هذا الكون الهائل : «سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» .. يهول الحس ويقف القلب وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد قدرة الخالق ، وسعة ملكه ، تصغر أمامه هذه الأرض كلها ، فضلا على بعض ما فيها ، فضلا على حادث من أحداثها. فضلا على دريهمات ينفقها الزوج أو تتنازل عنها الزوجة! وبين هذه السماوات السبع والأرض أو الأرضين السبع يتنزل أمر اللّه - ومنه هذا الأمر الذي هم بصدده في هذا السياق. فهو أمر هائل إذن ، حتى بمقاييس البشر وتصوراتهم في المكان والزمان بقدر ما يطيقون التصور. والمخالفة عنه مخالفة عن أمر تتجاوب به أقطار السماوات والأرضين ، ويتسامع به الملأ الأعلى وخلق اللّه الآخرون في السماوات والأرضين. فهي مخالفة بلقاء شنعاء ، لا يقدم عليها ذو عقل مؤمن ، جاءه رسول يتلو عليه آيات اللّه مبينات ، ويبين له هذا الأمر ، ليخرجه من الظلمات إلى النور ..

وهذا الأمر يتنزل بين السماوات والأرض ، لينشئ في قلب المؤمن عقيدة أن اللّه على كل شيء قدير فلا يعجزه شيء مما يريد. وأنه أحاط بكل شيء علما فلا يند عن علمه شيء مما يكون في ملكه الواسع العريض ، ولا مما يسرونه في حنايا القلوب.

ولهذه اللمسة قيمتها هنا من وجهين :
الأول أن اللّه الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام. فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم وملابساتهم ومصالحهم واستعداداتهم. فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات وهي من وضع العليم المحيط بكل شيء علما.

والثاني أن هذه الأحكام بالذات موكولة إلى الضمائر ، فالشعور بعلم اللّه واطلاعه على كل شيء هو الضمان لحساسية هذه الضمائر ، في شأن لا يجدي فيه شيء إلا تقوى اللّه العليم بذات الصدور.
وهكذا تختم السورة بهذا الإيقاع الذي يهول ويروع ، بقدر ما يحرك القلوب لتخبت وتطيع. فسبحان خالق القلوب ، العليم بما فيها من المنحنيات والدروب!


قال الصابوني:
سورة الطلاق مدنية وآياتها اثنا عشر آية.
* سورة الطلاق مدنية وقد تناولت بعض الأحكام التشريعية المتعلقة بأحوال الزوجين، كبيان أحكام الطلاق وكيفيته، وما يترتب على الطلاق من (العدة، والنفقة، والسكنى، وأجر المرضع) إلى غير ما هنالك من أحكام.

* تناولت السورة الكريمة في البدء أحكام الطلاق (الطلاق السني) و(الطلاق البدعي) فأمرت المؤمنين بسلوك أفضل الطرق، عند تعذر استمرار الحياة الزوجية، ودعت إلى تطليق الزوجة في الوقت المناسب، وعلى الوجه المشروع، وهو أن يطلقها طاهرا من غير جماع، ثم يتركها إلى انقضاء عدتها {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن..} الآيات.

* وفي هذا التوجيه الإلهي دعوة للرجال أن يتمهلوا، ولا يتسرعوا في فصل عرى الزوجية، فإن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، ولولا الضرورات القسرية لما أبيح الطلاق لأنه هدم للأسرة {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} الآيات.

* ودعت السورة إلى إحصاء العدة لضبط انتهائها، لئلا تختلط الأنساب، ولئلا يطول الأمد على المطلقة، فيلحقها الضرر، ودعت إلى الوقوف عند حدود الله، وعدم عصيان أوامره {وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه..} الآيات.

* وتناولت السورة أحكام العدة، فبينت عدة اليائس التي انقطع عنها دم الحيض لكبر أو مرض، وكذلك عدة الصغيرة، وعدة الحامل، فبينته أوضح بيان مع التوجيه والإرشاد {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن..} الآيات.


* وفي خلال تلك الأحكام التشريعية، تكررت الدعوة إلى (تقوى الله) بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، لئلا يقع حيف أو ظلم من أحد الزوجين، كما وضحت أحكام السكنى والنفقة {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا..} الآيات.

* وختمت السورة بالتحذير من تعدي حدود الله، وضربت الأمثلة بالأمم الباغية التي عتت عن أمر الله، وما ذاقت من الوبال والدمار، ثم أشارت إلى قدرة الله في خلق سبع سموات طباق، وخلق الأرضين، وكلها براهين على وحدانية رب العالمين {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا..} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة


قال محمد الغزالي:

سورة الطلاق تسمى سورة النساء الصغرى. وقد أودع الله فيها جملة أحكام تتصل بالأسرة، وتقيم كيانها على أسس سليمة، وتعالج ما قد يعرض لها من علل ومتاعب. وأسلوب السورة كلها وحدة موضوعية جديرة بالتأمل العميق، وتدل! على ترابط الآيات وتماسك سياقها في إبراز حقيقة معينة. وليس في السورة حكم فقهى من اجتهادى الخاص، وإنما اخترت من اجتهادات الأقدمين ما يناسب هذا التفسير وما يوافق رأيى.. ولمن شاء مخالفتى فلست مكرها أحدا على وجهة نظر لى. في صدر السورة نداء للنبى عليه الصلاة والسلام لأنه قائد الأمة وإمام الهدى! ومناداة الرسول في شأن يشيع بين أفراد الأمة كلها يشير إلى أن الأمر مهم، وأنه يخرج من النطاق الفردى الخاص إلى النطاق الجماعى العام. والواقع أن الطلاق يتجاوز الرجل الذي أوقعه، إلى امرأته، وأولادهما وأسرتيهما، فلابد من وضع ضوابط له، حتى لا يكون صدوره بإرادة مفردة بابا إلى الطيش والتظالم.. ومن هنا حدد الشارع له وقتا معينا؟ فلا يجوز في أثناء الحيض والنفاس، ولا يجوز بعد طهر مس امرأته فيه، وينبغى أن يحضره شاهدان. وعلى الزوجة إذا سمعت الطلاق، أن تبقى في بيت الزوجية، فليس ما سمعته إجهازا على الحياة الزوجية وإنما هو إنذار بالقضاء عليها، وبقاؤها حيث هي مطلوب، فقد تستأنف هذه الحياة مع تغير الظروف التي دفعت إلى الطلاق. إن ثورات الغضب قد تتلاشى وتتغلب بواعث الوئام خلال شهرين أو ثلاثة، وذاك معنى الآية الأولى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}.

وقد لاحظت أن الإيمان بالغيوب والانبعاث عن تقوى الله تكرر خلال الآيات والأحكام الفقهية، حتى يمكن تفريج الأزمات العائلية الباعثة على الشقاق بالاعتماد على الله ومغالبة الأمر الواقع {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}. وذكر الوحى الكريم تفصيلات للإنفاق في السراء والضراء وبيانات لحالات الإرضاع وغيرها. وبدا من الإرشاد الإلهى أن الله سبحانه لا يريد أن يتحول الطلاق إلى كارثة اجتماعية كالحة، وألا يفقد المسلمون أدبهم وتواصلهم مع هذه المحنة.. ومع ذلك كله، فإن الطلاق كما مارسه المسلمون اقترن بمآس كئيبة. فمن الناحية الفقهية وقع الاعتراف بالطلاق البدعى، وانتشر الحلف بالطلاق، كما انتشر تعليقه على التوافه المحقرة، وسطرت في كتب الفقه نوادر لوقوع الطلاق تستدعى العجب. ولا يزال الأوروبيون ينظرون إلى سهولة الطلاق وميوعة حدوده عندنا نظرة إنكار، وهى ميوعة اختلقها الناس ولا يعرفها الإسلام. ويكاد يستحيل أن تسمع امرأة الطلاق وتبقى في البيت، كما يكاد يندر وقوع الطلاق داخل النطاق الذي رسمته السنة النبوية من طهر، واعتزال! وإشهاد.. والفقهاء المتربصون بمصير الأسرة المرحبون بتمزيق عراها لأتفه الأسباب والأقوال، لا حصر لهم.. وقد أضر ذلك إضرارا بليغا بسمعة الإسلام وانتشار رسالته، واستغله أعداؤه استغلالا واسعا.. ولذلك فأنا انظر إلى النصف الثانى من السورة على أنه امتداد وتكميل لنصفها الأول، وتحذير لأمتنا من العبث بأحكام الطلاق. ويبدأ، ذلك بقوله تعالى: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها...}. إلخ. وليتدبر القارئ قوله تعالى في إحكام الطلاق: {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}. وقوله بعد ذلك {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله..} إن السياق متماسك، ولفظ الأمر واحد. ولا يجوز لأمة شرفها الله بالوحى والهدى أن تفرط وتعبث وتجعل نظام الأسرة في مجتمعها لغوا!! كما لا يجوز أن تبعثر العقبات في طريق الدعوة وانتشار الرسالة بسوء تطبيقها للإسلام وسوء تنفيذها لأحكامه!
وأخيرا تختم السورة بهذه الآية الدالة على أن الله خلق الكون لنعرفه، وأنزل الوحى لنتبعه؟ وبين الكون الدال على الله بصمته، والوحى الهادر بنطقه يعرف المسلمون طريقهم {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}. هذه سورة الطلاق أدعو كل مسلم لقراءتها مرة أخرى، على ضوء ما شرحت لعله واجد فيها ما يهدى ويجدى.

يتبع – سورة التحريم





مديح





 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 12:57 PM   #143


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي




























سورة التحريم

التعريف بالسورة

مدنية .
من المفصل .
آياتها 12 .
ترتيبها السادسة والستون .
نزلت بعد الحجرات .
بدأت باسلوب النداء " يا أيها النبي " اسم السورة " التحريم " .

سبب التسمية


سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لبيان ‏شأن ‏التحريم ‏الذي ‏حرمه ‏النبي ‏ ‏على ‏نفسه ‏من ‏غير ‏أن ‏يحرمه ‏الله‎

سبب نزول السورة :


1) عن ابن عباس عن عمر قال دخل رسول الله بأم ولده مارية في بيت حفصة ، فوجدته حفصة معها ، فقالت : لم تدخلها بيتي ؟ ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك . فقال لها : لا تذكري هذا لعائشة هي على حرام إن قربتها . قالت حفصة : وكيف تحرم عليك وهى جاريتك ؟ فحلف لها لا يقربها . وقال لها: لا تذكريه لأحد . فذكرته لعائشة ، فأبى أن لا يدخل على نسائه شهرا واعتزلهن تسعا وعشرين ليلة ، فأنزل الله تبارك وتعالى ( لم تحرم ما أحل الله لك ) الآية .


2) عن عائشة قالت : كان رسول الله يحب الحلواء والعسل ، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ، فدخل على حفصة بنت عمر واحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فعرفت ، فسألت عن ذلك، فقيل لى : أهدت امرأة من قومها عكة عسل فسقت منه النبي شربة . قلت : أما والله لنحتال له . فقلت لسودة بنت زمعة : إنه سيدنو منك إذا دخل عليك فقولى له يا رسول الله أكلت مغافير ؟ فإنه سيقول لك : سقتنى حفصة شربة عسل . فقولى " جرست نحلة العرفط " وسأقول ذلك ، وقولى أنت يا صفية ذلك . قالت : تقول سودة : " فوالله ما هو إلا أن قام على الباب فكدت أن أبادئه بما أمرتني به ، فلما دنا منها قالت له سودة : يا رسول الله أكلت مغافير ؟ قال : لا . قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل . قالت : جرست نحلة العرفط . قالت : فلما دخل على قلت له مثل ذلك ، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك ، فلما دار إلى حفصة قالت : يا رسول الله أسقيك منه ؟ قال : لا حاجة لي فيه . تقول سودة ، لقد حرمناه . قالت لها : اسكتي .( رواه البخاري عن فرقد ورواه مسلم عن سويد ابن سعيد كلاهما عن على بن مسهر ).


3) لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح أنزل الله هذه الآية .


4) عن ابن عباس قال وجدت حفصة رسول الله مع أم إبراهيم في يوم عائشة ، فقالت :لأخبرنها . فقال رسول الله هى على حرام إن قربتها . فأخبرت عائشة بذلك ، فأعلم الله رسولَه ذلك ، فعرف حفصة بعض ما قالت، فقالت له : من أخبرك ؟ قال : نبأني العليم الخبير . فآلى رسول الله من نسائه شهرا ، فأنزل الله تبارك وتعالى( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما الآية ).


5) عن ابن عباس وابن عمر في قوله تعالى ( وصالح المؤمنين ) قالا : نزلت في أبي بكر وعمر .


تناول السورة الشئون التشريعية وهي هنا تعالج قضايا وأحكاما تتعلق " بيت النبوة " وبأمهات المؤمنين أزواج رسول الله الطاهرات وذلك في إطار تهيئة البيت المسلم والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة .


قال البقاعي


مقصودها الحث على تقدير التدبير في الأدب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ومع سائر العباد والندب إلى التخلق بالأدب الشرعي وحسن المباشرة لاسيما لمن شاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن عشرته وكريم صحبته وبيان أن الأب الشرعي تارة يكون باللين والأناة، وأخرى بالسوط وما داناه ومرة بالسيف وما والاه، وكل من اسميها التحريم والنبي صلى الله عليه وسلم موضح لذلك.


ومعظم مقصود السّورة عتاب الرّسول- صلى الله عليه وسلم- في التّحريم والتحليل قبل ورود وحْى سماوىّ، وتعيير الأزواج الطّاهرات على إِيذائه وإِظهارِ سرّه، والأمر بالتحرّز والتجنّب من جهنّم، والأمر بالتّوبة النّصُوح، والوعد بإِتمام النُّور في القيامة، والأمر بجهاد الكفّار بطريق السّياسة، ومع المنافقين بالبرهان والحجّة، وبيان أنّ القرابة غير نافعة بدون الإِيمان والمعرفة، وأن قرب المفسدين لا يضُرّ مع وجود الصّدق والإِخلاص، والخبر عن الفُتُوّة، وتصديق مريم بقوله: {وصدّقتْ بِكلِماتِ ربِّها}.


قال ابن عاشور:

سورة {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} (التحريم: 1) إلخ سميت (سورة التحريم) في كتب السنة وكتب التفسير. ووقع في رواية أبي ذرّ الهروي (لصحيح البخاري) تسميتها باسم (سورة لم تُحرّم) بتشديد اللاّم، وفي (الإِتقان) وتسمى (سورة لم تحرّم)، وفي (تفسير الكواشي) (أي بهمزة وصل وتشديد اللام مكسورة) وبفتح الميم وضم التاء محققة وتشديد الراء مكسورة بعدها ميم على حكاية جملة{لم تحرم}وجعْلِها بمنزلة الاسم وإدخال لام تعريف العهد على ذلك اللفظ وإدغام اللامين.

وتسمى (سورة النبي) صلى الله عليه وسلم وقال الألوسي: إن ابن الزبير سماها (سورة النساء).
قلت ولم أقف عليه ولم يذكر صاحب (الإِتقان) هذين في أسمائها.
واتفق أهل العدد على أن عدة آيها اثنتا عشرة.
وهي مدنيّة.


قال ابن عطية: بإجماع أهل العلم وتبعه القرطبي.
وقال في (الإِتقان) عن قتادة: إن أولها إلى تمام عشر آيات وما بعدها مكي، كما وقعت حكاية كلامه. ولعله أراد إلى عشر آيات، أي أن الآية العاشرة من المكي إذ من البعيد أن تكون الآية العاشرة مدنيّة والحادية عشرة مكيّة.

وهي معدودة الخامسة بعد المائة في عداد نزول سور القرآن نزلت بعد سورة الحجرات وقبل سورة الجمعة.
ويدل قوله: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} (التحريم: 2) أنها نزلت بعد سورة المائدة.


وسبب نزولها حادثتان حدثتا بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
إحداهما: ما ثبت في (الصحيح) عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شرِب عسلا عند إحدى نسائه اختلف في أنها زينب بنت جحش، أو حفصة، أو أم سلمة، أو سودة بنت زمعة. والأصح أنها زينب. فعلمت بذلك عائشة فتواطأت هي وحفصة على أن أيّتهما دخل عليها تقول له: إني أجد منك ريح مغافير أكلْت مغافير. (والمغافير صمغ شجر العُرفط وله رائحة مختمرة) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه رائحة وإنما تواطأتا على ذلك غيرة منهما أن يحتبس عند زينب زمانا يشرب فيه عسلا. فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال:«بل شربتُ عسلا عند فلانة ولن أعود له»، أراد بذلك استرضاء حفصة في هذا الشأن وأوصاها أن لا تخبر بذلك عائشة (لأنه يكره غضبها) فأخبرت حفصة عائشة فنزلت الآيات.

هذا أصح ما روي في سبب نزول هذه الآيات. والتحريم هو قوله: «ولن أعود له» (لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا صدقا وكانت سودة تقول: لقد حرمْناه).


والثانية: ما رواه ابن القاسم في (المدونة) عن مالك عن زيد بن أسلم قال: حرّم رسول الله أم إبراهيم جاريته فقال: «والله لا أطؤك» ثم قال: «هي عليّ حرام» فأنزل الله تعالى: {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك} (التحريم: 1).


وتفصيل هذا الخبر ما رواه الدارقطني «عن ابن عباس عن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة فوجدتْه حفصة معها، وكانت حفصة غابت إلى بيت أبيها. فقالت حفصة: تُدخلها بيتي ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هوانِي عليك. فقال لها: لا تذكري هذا لعائشة فهي عليّ حرام إن قربتُها. قيل: فقالت له حفصة: كيف تحْرُم عليك وهي جاريتُك فحلف لها أن لا يقْربها فذكرته حفصة لعائشة فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}». وهو حديث ضعيف.

قال سيد قطب

عند ما جرى قدر اللّه أن يجعل الإسلام هو الرسالة الأخيرة وأن يجعل منهجه هو المنهاج الباقي إلى آخر الخليقة وأن تجري حياة المؤمنين به وفق الناموس الكوني العام وأن يكون هذا الدين هو الذي يقود حياة البشرية ويهيمن على نشاطها في كل ميدان ..


عند ما جرى قدر اللّه بهذا كله جعل اللّه هذا المنهج في هذه الصورة ، شاملا كاملا متكاملا ، يلبي كل طاقات البشر واستعداداتهم ، في الوقت الذي يرفع هذه الطاقات وهذه الاستعدادات إلى الأفق اللائق بخليفة اللّه في الأرض ، وبالكائن الذي كرمه اللّه على كثير من عباده ، ونفخ فيه من روحه.


وجعل طبيعة هذا الدين الانطلاق بالحياة إلى الأمام : نموا وتكاثرا ، ورفعة وتطهرا ، في آن واحد. فلم يعطل طاقة بانية ، ولم يكبت استعدادا نافعا. بل نشط الطاقات وأيقظ الاستعدادات وفي الوقت ذاته حافظ على توازن حركة الاندفاع إلى الأمام مع حركة الارتفاع إلى الأفق الكريم ، الذي يهيئ الأرواح في الدنيا لمستوى نعيم الآخرة ، ويعد المخلوق الفاني في الأرض للحياة الباقية في دار الخلود.


وعند ما جرى قدر اللّه أن يجعل طبيعة هذه العقيدة هكذا جرى كذلك باختيار رسولها - صلى اللّه عليه وسلم - إنسانا تتمثل فيه هذه العقيدة بكل خصائصها ، وتتجسم فيه بكل حقيقتها ، ويكون هو بذاته وبحياته الترجمة الصحيحة الكاملة لطبيعتها واتجاهها. إنسانا قد اكتملت طاقاته الإنسانية كلها. ضليع التكوين الجسدي ، قوي البنية ، سليم البناء صحيح الحواس ، يقظ الحس ، يتذوق المحسوسات تذوقا كاملا سليما. وهو في ذات الوقت ضخم العاطفة ، حي الطبع ، سليم الحساسية ، يتذوق الجمال ، متفتح للتلقي والاستجابة. وهو في الوقت ذاته كبير العقل ، واسع الفكر ، فسيح الأفق ، قوي الإرادة ، يملك نفسه ولا تملكه .. ثم هو بعد ذلك كله .. النبي .. الذي تشرق روحه بالنور الكلي ، والذي تطيق روحه الإسراء والمعراج ، والذي ينادى من السماء ، والذي يرى نور ربه ، والذي تتصل حقيقته بحقيقة كل شيء في الوجود من وراء الأشكال والظواهر ، فيسلم عليه الحصى والحجر ، ويحن له الجذع ، ويرتجف به أحد - الجبل ..! .. ثم تتوازن في شخصيته هذه الطاقات كلها. فإذا هو التوازن المقابل لتوازن العقيدة التي اختير لها ..

ثميجعل اللّه حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمته وللبشرية كلها ، تقرأفيه صور هذه العقيدة ، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيهاسرا مخبوءا ، ولا سترا مطويا. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن ، ويكشفمنها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعفالبشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذهالمواضع في حياة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للناس! إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته - صلى اللّه عليه وسلم - أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق منهذه العقيدة وقد جاء - صلى اللّه عليه وسلم - ليعرضها للناس في شخصه ، وفيحياته ، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.

ولقدحفظ عنه أصحابه - صلى اللّه عليه وسلم - ونقلوا للناس بعدهم - جزاهم اللّه خيرا - أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية ، لم تسجل ولم تنقل .. وكان هذا طرفا من قدر اللّه فيتسجيل حياة هذا الرسول ، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.


وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك .. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول اللّه وبين أزواجه.


والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من زينب بنت جحش قطعا.

ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي ، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذاالملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه : «جوامع السيرة» .. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة :

أولأزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون ، وسنها - رضي اللّه عنها - أربعون أو فوق الأربعين ، وماتت - رضي اللّه عنها - قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.

فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة - رضي اللّه عنها - ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب.
إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة.
فلما توفي عنها ، تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم.




ثم يجعل اللّه حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمته وللبشرية كلها ، تقرأ فيه صور هذه العقيدة ، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيها سرا مخبوءا ، ولا سترا مطويا. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن ، ويكشف منها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعف البشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذه المواضع في حياة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للناس! إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته - صلى اللّه عليه وسلم - أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة وقد جاء - صلى اللّه عليه وسلم - ليعرضها للناس في شخصه ، وفي حياته ، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.

ولقد حفظ عنه أصحابه - صلى اللّه عليه وسلم - ونقلوا للناس بعدهم - جزاهم اللّه خيرا - أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية ، لم تسجل ولم تنقل .. وكان هذا طرفا من قدر اللّه في تسجيل حياة هذا الرسول ، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.

وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض ، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك .. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول اللّه وبين أزواجه.

والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من زينب بنت جحش قطعا.

ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي ، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذا الملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه : «جوامع السيرة» .. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة :

أول أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون ، وسنها - رضي اللّه عنها - أربعون أو فوق الأربعين ، وماتت - رضي اللّه عنها - قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.

فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة - رضي اللّه عنها - ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب.
إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة.

فلما توفي عنها ، تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم.

يتبع

مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 12:58 PM   #144


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي

























تابع – سورة التحريم
محور مواضيع السورة :

ثم تزوج عائشة - رضي اللّه عنها - بنت الصديق أبي بكر - رضي اللّه عنه وأرضاه - وكانت صغيرة فلم يدخل بها إلا بعد الهجرة. ولم يتزوج بكرا غيرها. وكانت أحب نسائه إليه ، وقيل كانت سنها تسع سنوات وبقيت معه تسع سنوات وخمسة أشهر. وتوفي عنها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - .

ثم تزوج حفصة بنت عمر - رضي اللّه عنه وعنها - بعد الهجرة بسنتين وأشهر. تزوجها ثيبا. بعد ما عرضها أبوها على أبي بكر وعلى عثمان فلم يستجيبا. فوعده النبي خيرا منهما وتزوجها! ثم تزوج زينب بنت خزيمة. وكان زوجها الأول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قد قتل يوم بدر.

وتوفيت زينب هذه في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - . وقيل كان زوجها قبل النبي هو عبد اللّه بن جحش الأسدي المستشهد يوم أحد. ولعل هذا هو الأقرب.

وتزوج أم سلمة. وكانت قبله زوجا لأبي سلمة ، الذي جرح في أحد ، وظل جرحه يعاوده حتى مات به.
فتزوج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أرملته. وضم إليه عيالها من أبي سلمة.

وتزوج زينب بنت جحش. بعد أن زوجها لمولاه ومتبناه زيد بن حارثة فلم تستقم حياتهما فطلقها. وقد عرضنا قصتها في سورة الأحزاب في الجزء الثاني والعشرين ، وكانت جميلة وضيئة. وهي التي كانت عائشة - رضي اللّه عنها - تحس أنها تساميها ، لنسبها من رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهي بنت عمته ، ولو ضاءتها! ثم تزوج جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق بعد غزوة بني المصطلق في أواسط السنة السادسة الهجرية.
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللّه عنها.

قالت : «لما قسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في أسهم الثابت ابن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مليحة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - تستعينه في كتابتها. قالت عائشة : فو اللّه ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها! وعرفت أنه سيرى منها - صلى اللّه عليه وسلم - ما رأيت ، فدخلت عليه فقالت : يا رسول اللّه. أنا جويرية بنت الحارث بن أبي صرار سيد قومه. وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - فكاتبته على نفسي ، فجئت أستعينك على كتابتي. قال : «فهل لك في خير من ذلك؟ قالت : وما هو يا رسول اللّه؟ قال : «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك؟» قالت : نعم يا رسول اللّه. قال : «قد فعلت» ..


ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان بعد الحديبية. وكانت مهاجرة مسلمة في بلاد الحبشة ، فارتد زوجها عبد اللّه بن جحش إلى النصرانية وتركها. فخطبها النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وأمهرها عنه نجاشي الحبشة.
وجاءت من هناك إلى المدينة.

وتزوج إثر فتح خيبر بعد الحديبية صفية بنت حيي بن أخطب زعيم بني النضير. وكانت زوجة لكنانة ابن أبي الحقيق وهو من زعماء اليهود أيضا. ويذكر ابن إسحاق في قصة زواجه - صلى اللّه عليه وسلم - منها :
أنه أتي بها وبأخرى معها من السبي ، فمر بهما بلال - رضي اللّه عنه - على قتلى من قتلى اليهود فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها. فقال - صلى اللّه عليه وسلم - : «اعزبوا عني هذه الشيطانة» وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - قد اصطفاها لنفسه. فقال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لبلال - فيما بلغني - حين رأى بتلك اليهودية ما رأى : «أنزعت منك الرحمة يا بلال؟ حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟».

ثم تزوج ميمونة بنت الحارث بن حزن. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد اللّه بن عباس. وكانت قبل رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عند أبي رهم بن عبد العزى. وقيل حويطب بن عبد العزى. وهي آخر من تزوج صلى اللّه عليه وسلم.

وهكذا ترى أن لكل زوجة من أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - قصة وسببا في زواجه منها. وهن فيمن عدا زينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث ، لم يكن شواب ولا ممن يرغب فيهن الرجال لجمال. وكانت عائشة - رضي اللّه عنها - هي أحب نسائه إليه. وحتى هاتان اللتان عرف عنهما الجمال والشباب كان هناك عامل نفسي وإنساني آخر - إلى جانب جاذبيتهن - ولست أحاول أن أنفي عنصر الجاذبية الذي لحظته عائشة في جويرية مثلا ، ولا عنصر الجمال الذي عرفت به زينب. فلا حاجة أبدا إلى نفي مثل هذه العناصر الإنسانية من حياة النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وليست هذه العناصر موضع اتهام يدفعه الأنصار عن نبيهم. إذا حلا لأعدائه أن يتهموه! فقد اختير ليكون إنسانا. ولكن إنسانا رفيعا. وهكذا كان. وهكذا كانت دوافعه في حياته وفي أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - على اختلاف الدوافع والأسباب.

ولقد عاش في بيته مع أزواجه بشرا رسولا كما خلقه اللّه ، وكما أمره أن يقول : «قل : سبحان ربي! هل كنت إلا بشرا رسولا؟» ..


استمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأزواجه وأمتعهن ، كما قالت عائشة - رضي اللّه عنها - عنه : «كان إذا خلا بنسائه ألين الناس.
وأكرم الناس ضحاكا بساما .. ولكنه إنما كان يستمتع بهن ويمتعهن من ذات نفسه ، ومن فيض قلبه ، ومن حسن أدبه ، ومن كريم معاملته. فأما حياتهن المادية فكانت في غالبها كفافا حتى بعد أن فتحت له الفتوح وتبحبح المسلمون بالغنائم والفيء. وقد سبق في سورة الأحزاب قصة طلبهن الوسعة في النفقة ، وما أعقب هذا الطلب من أزمة ، انتهت بتخييرهن بين اللّه ورسوله والدار الآخرة ، أو المتاع والتسريح من عصمته - صلى اللّه عليه وسلم - فاخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة .

ولكن الحياة في جو النبوة في بيوت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لم تكن لتقضي على المشاعر البشرية ، والهواتف البشرية في نفوس أزواجه - رضي اللّه عنهن - فقد كان يبدر أو يشجر بينهن ، ما لا بد أن يشجر في قلوب النساء في مثل هذه الحال. وقد سلف في رواية ابن إسحاق عن عائشة - رضي اللّه عنها - أنها كرهت جويرية بمجرد رؤيتها لما توقعته من استملاح رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لها إذا رآها. وصح ما توقعته فعلا! وكذلك روت هي نفسها حادثا لها مع صفية. قالت. «قلت للنبي - صلى اللّه عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا. قال الراوي : تعني قصيرة! فقال صلى اللّه عليه وسلم : «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته «3»» .. كذلك روت عن نفسها أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - حين نزلت آية التخيير التي في الأحزاب ، فاختارت هي اللّه ورسوله والدار الآخرة ، طلبت إليه ألا يخبر زوجاته عن اختيارها! - وظاهر لماذا طلبت هذا! - فقال - صلى اللّه عليه وسلم - : «إن اللّه تعالى لم يبعثني معنفا ، ولكن بعثني معلما ميسرا.
لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها ..

وهذه الوقائع التي روتها عائشة - رضي اللّه عنها - عن نفسها - بدافع من صدقها ولتربيتها الإسلامية الناصعة - ليست إلا أمثلة لغيرها تصور هذا الجو الإنساني الذي لا بد منه في مثل هذه الحياة. كما تصور كيف كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يؤدي رسالته بالتربية والتعلية في بيته كما يؤديها في أمته سواء.

( يتبع )



مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 12:58 PM   #145


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي




























تابع – سورة التحريم
محور مواضيع السورة :

الحادث الذي نزل بشأنه صدر هذه السورة هو واحد من تلك الأمثلة التي كانت تقع في حياة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - وفي حياة أزواجه. وقد وردت بشأنه روايات متعددة ومختلفة سنعرض لها عند استعراض النصوص القرآنية في السورة.

وبمناسبة هذا الحادث وما ورد فيه من توجيهات. وبخاصة دعوة الزوجتين المتآمرتين فيه إلى التوبة. أعقبه في السورة دعوة إلى التوبة وإلى قيام أصحاب البيوت على بيوتهم بالتربية ، ووقاية أنفسهم وأهليهم من النار.
كما ورد مشهد للكافرين في هذه النار. واختتمت السورة بالحديث عن امرأة نوح وامرأة لوط كمثل للكفر في بيت مؤمن. وعن امرأة فرعون كمثل للإيمان في بيت كافر ، وكذلك عن مريم ابنة عمران التي تطهرت فتلقت النفخة من روح اللّه وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ..

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ، تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ : مَنْ أَنْبَأَكَ هذا؟ قالَ : نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ، وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً» ..

وردت في سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة منها ما رواه البخاري عند هذه الآية قال : حدثنا إبراهيم ابن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة ، قالت : كان النبي - صلى اللّه عليه وسلم - يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ، ويمكث عندها.

فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير. قال : «لا.
ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له. وقد حلفت. لا تخبري بذلك أحدا» ..
فهذا هو ما حرمه على نفسه وهو حلال له : «لم تحرم ما أحل اللّه لك؟».


ويبدو أن التي حدثها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - هذا الحديث وأمرها بستره قالت لزميلتها المتآمرة معها. فأطلع اللّه رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - على الأمر. فعاد عليها في هذا وذكر لها بعض ما دار بينها وبين زميلتها دون استقصاء لجميعه. تمشيا مع أدبه الكريم. فقد لمس الموضوع لمسا مختصرا لتعرف أنه يعرف وكفى. فدهشت هي وسألته : «من أنبأك هذا؟» .. ولعله دار في خلدها أن الأخرى هي التي نبأته! ولكنه أجابها : «نبأني العليم الخبير» .. فالخبر من المصدر الذي يعلمه كله. ومضمون هذا أن الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يعلم كل ما دار ، لا الطرف الذي حدثها به وحده! وقد كان من جراء هذا الحادث ، وما كشف عنه من تآمر ومكايدات في بيت الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن غضب. فآلى من نسائه لا يقربهن شهرا ، وهم بتطليقهن - على ما تسامع المسلمون - ثم نزلت هذه الآيات. وقد هدأ غضبه - صلى اللّه عليه وسلم - فعاد إلى نسائه بعد تفصيل سنذكره بعد عرض رواية أخرى للحادث.

وهذه الرواية الأخرى أخرجها النسائي من حديث أنس ، أن رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - كان له أمة يطؤها ، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها. فأنزل اللّه عز وجل : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ» ...

وفي رواية لابن جرير ولابن إسحاق أن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وطئ مارية أم ولده إبراهيم في بيت حفصة. فغضبت وعدتها إهانة لها. فوعدها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بتحريم مارية وحلف بهذا. وكلفها كتمان الأمر. فأخبرت به عائشة .. فهذا هو الحديث الذي جاء ذكره في السورة.
وكلا الروايتين يمكن أن يكون هو الذي وقع. وربما كانت هذه الثانية أقرب إلى جو النصوص وإلى ما أعقب الحادث من غضب كاد يؤدي إلى طلاق زوجات الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - نظرا لدقة الموضوع وشدة حساسيته. ولكن الرواية الأولى أقوى إسنادا. وهي في الوقت ذاته ممكنة الوقوع ، ويمكن أن تحدث الآثار التي ترتبت عليها. إذا نظرنا إلى المستوي الذي يسود بيوت النبي ، مما يمكن أن تعد فيه الحادثة بهذا الوصف شيئا كبيرا .. واللّه أعلم أي ذلك كان.

( يتبع )





مديح





 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 12:59 PM   #146


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي


























تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

أما وقع هذا الحادث - حادث إيلاء النبي - صلى اللّه عليه وسلم - من أزواجه ، فيصوره الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - وهو يرسم كذلك جانبا من صورة المجتمع الإسلامي يومذاك .. قال : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن أبي ثور ، عن ابن عباس قال : «لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - اللتين قال اللّه تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) حتى حج عمر وحججت معه ، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة ، فتبرّز ، ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ ، فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي - صلى اللّه عليه وسلم - اللتان قال اللّه تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)؟ فقال عمر : وا عجبا لك يا ابن عباس! (قال الزهري : كره واللّه ما سأله عنه ولم يكتمه) قال :

هي عائشة وحفصة. قال : ثم أخذ يسوق الحديث ، قال : كنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم. قال : وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي. قال : فغضبت يوما على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني. فقالت : ما تنكر أن أراجعك؟ فو اللّه إن أزواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل! قال :
فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت : أتراجعين رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ؟ قالت : نعم! قلت :

وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت : نعم! قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر! أفتأمن إحداكن أن يغضب اللّه عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ولا تسأليه شيئا وسليني من مالي ما بدا لك ، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم - أي أجمل - وأحب إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - منك - يريد عائشة - قال : وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ينزل يوما وأنزل يوما ، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك.



قال : وكنا نتحدث أن غسان تنحل الخيل لتغزونا. فنزل صاحبي يوما ثم أتى عشاء فضرب بابي ثم نادى ، فخرجت إليه ، فقال : حدث أمر عظيم. فقلت : وما ذاك؟ أجاءت غسان؟ قال : لا. بل أعظم من ذلك وأطول! طلق رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - نساءه! فقلت : قد خابت حفصة وخسرت! قد كنت أظن هذا كائنا. حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي. فقلت :

أطلقكن رسول اللّه - صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ - فقالت : لا أدري. هو هذا معتزل في هذه المشربة.
فأتيت غلاما أسود فقلت : استأذن لعمر. فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال : ذكرتك له فصمت! فانطلقت حتى أتيت المنبر ، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم. فجلست عنده قليلا ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ فقال : ذكرتك له فصمت! فخرجت فجلست إلى المنبر ، ثم غلبني ما أجد ، فأتيت الغلام فقلت : استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ فقال : ذكرتك له فصمت! فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني. فقال : ادخل قد أذن لك. فدخلت فسلمت على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر في جنبه. فقلت : أطلقت يا رسول اللّه نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال : «لا». فقلت : اللّه أكبر! ولو رأيتنا يا رسول اللّه وكنا معشر قريش قوما نغلب النساء ، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم ، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ، فغضبت على امرأتي يوما ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني ، فقالت : ما تنكر أن أراجعك؟ فو اللّه إن أزواج النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر! أفتأمن إحداكن أن يغضب اللّه عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - فقلت : يا رسول اللّه قد دخلت على حفصة فقلت : لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - منك! فتبسم أخرى. فقلت : أستأنس يا رسول اللّه! قال : «نعم» فجلست ، فرفعت رأسي في البيت فو اللّه ما رأيت في البيت شيئا يرد البصر إلا هيبة مقامه فقلت : ادع اللّه يا رسول اللّه أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللّه. فاستوى جالسا وقال : «أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا». فقلت : استغفر لي يا رسول اللّه .. وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه اللّه عز وجل» .. (و قد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري بهذا النص) ..
هذه رواية الحادث في السير.

( يتبع )


مديح







 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 01:00 PM   #147


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

تبدأ السورة بهذا العتاب من اللّه سبحانه لرسوله - صلى اللّه عليه وسلم - :
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ، تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ ، وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» ..

وهو عتاب مؤثر موح. فما يجوز أن يحرم المؤمن على نفسه ما أحله اللّه له من متاع. والرسول - صلى اللّه عليه وسلم - لم يكن حرم العسل أو مارية بمعنى التحريم الشرعي إنما كان قد قرر حرمان نفسه. فجاء هذا العتاب يوحي بأن ما جعله اللّه حلالا فلا يجوز حرمان النفس منه عمدا وقصدا إرضاء لأحد .. والتعقيب :
«وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. يوحي بأن هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة ، وأن تتداركه مغفرة اللّه ورحمته.
وهو إيحاء لطيف.
فأما اليمين التي يوحي النص بأن الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - قد حلفها ، فقد فرض اللّه تحلتها. أي كفارتها التي يحل منها. ما دامت في غير معروف والعدول عنها أولى. «وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ» .. فهو يعينكم على ضعفكم وعلى ما يشق عليكم. ومن ثم فرض تحلة الأيمان ، للخروج من العنت والمشقة .. «وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».

يشرع لكم عن علم وعن حكمة ، ويأمركم بما يناسب طاقتكم وما يصلح لكم. فلا تحرموا إلا ما حرم ، ولا تحلوا غير ما أحل. وهو تعقيب يناسب ما قبله من توجيه.

ثم يشير إلى الحديث ولا يذكر موضوعه ولا تفصيله ، لأن موضوعه ليس هو المهم ، وليس هو العنصر الباقي فيه. إنما العنصر الباقي هو دلالته وآثاره :
«وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا» ..

ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية. الفترة التي يعيش فيها الناس مع السماء.
والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلا. ونعلم أن اللّه قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه. وأنه - صلى اللّه عليه وسلم - حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه.
ترفعا عن السرد الطويل ، وتجملا عن الإطالة في التفصيل وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل :
«فلما نبأت به وأظهره اللّه عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض. فلما نبأها به قالت : من أنبأك هذا؟

قال : نبأني العليم الخبير» ..
والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها ، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن.
ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :
«إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» ..

وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى اللّه ، فقد بعدت عنه بما كان منها .. حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا ..

ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة اللّه وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير! ليطيب خاطر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير! ولا بد أن الموقف في حس رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة. ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي اللّه عنهما - وهو يسأله : جاءت غسان؟ فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول. وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير. ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن. وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور. وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق.

وكذلك دلالة الآية التالية ، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل اللّه النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن.
مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد :
«عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ ، مُؤْمِناتٍ ، قانِتاتٍ ، تائِباتٍ ، عابِداتٍ ، سائِحاتٍ ، ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً» ..

وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح.
الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين. والإيمان الذي يعمر القلب ، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل. والقنوت وهو الطاعة القلبية. والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة.

والعبادة وهي أداة الاتصال باللّه والتعبير عن العبودية له. والسياحة وهي التأمل والتدبر وللتفكر في إبداع اللّه والسياحة بالقلب في ملكوته. وهن - مع هذه الصفات - من الثيبات ومن الأبكار. كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر. وهو تهديد لهن لا بد كان له ما يقتضيه من تأثير مكايداتهن في قلب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وما كان ليغضب من قليل! وقد رضيت نفس النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بعد نزول هذه الآيات ، وخطاب ربه له ولأهل بيته.

واطمأن هذا البيت الكريم بعد هذه الزلزلة ، وعاد إليه هدوؤه بتوجيه اللّه سبحانه. وهو تكريم لهذا البيت ورعاية تناسب دوره في إنشاء منهج اللّه في الأرض وتثبيت أركانه.




وبعد فهذه صورة من الحياة البيتية لهذا الرجل الذي كان ينهض بإنشاء أمة ، وإقامة دولة ، على غير مثال معروف ، وعلى غير نسق مسبوق. أمة تنهض بحمل أمانة العقيدة الإلهية في صورتها الأخيرة ، وتنشئ في الأرض مجتمعا ربانيا ، في صورة واقعية يتأسى بها الناس.

وهي صورة من حياة إنسان كريم رفيع جليل عظيم. يزاول إنسانيته في الوقت الذي يزاول فيه نبوته. فلا تفترق هذه عن تلك لأن القدر جرى بأن يكون بشرا رسولا ، حينما جرى بأن يحمله الرسالة الأخيرة للبشر أو منهج الحياة الأخير.

إنها الرسالة الكاملة يحملها الرسول الكامل. ومن كمالها أن يظل الإنسان بها إنسانا. فلا تكبت طاقة من طاقاته البانية ، ولا تعطل استعدادا من استعداداته النافعة وفي الوقت ذاته تهذبه وتربيه ، وترتفع به إلى غاية مراقيه.

وكذلك فعل الإسلام بمن فقهوه وتكيفوا به ، حتى استحالوا نسخا حية منه. وكانت سيرة نبيهم وحياته الواقعية ، بكل ما فيها من تجارب الإنسان ، ومحاولات الإنسان ، وضعف الإنسان ، وقوة الإنسان ، مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية ، مرتقية بها خطوة خطوة - كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه - كانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة ، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة العملية الواقعية ، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات! وتحققت حكمة القدر في تنزيل الرسالة الأخيرة للبشر بصورتها الكاملة الشاملة المتكاملة. وفي اختيار الرسول الذي يطيق تلقيها وترجمتها في صورة حية. وفي جعل حياة هذا الرسول كتابا مفتوحا يقرؤه الجميع.
وتراجعه الأجيال بعد الأجيال ...

( يتبع )


















 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 01:01 PM   #148


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

في ظلال هذا الحادث الذي كان وقعه عميقا في نفوس المسلمين ، يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير ، فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار. ويرسم لهم مشهدا من مشاهدها.

وحال الكفار عندها. وفي ظلال الدعوة إلى التوبة التي وردت في سياق الحادث يدعو الذين آمنوا إلى التوبة ، ويصور لهم الجنة التي تنتظر التائبين. ثم يدعو النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إلى جهاد الكفار والمنافقين ..
وهذا هو المقطع الثاني في السورة :
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ، عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ، إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ، يَقُولُونَ : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ، وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..

إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة. فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله ، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك. إنها نار. فظيعة متسعرة : «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» ..

الناس فيها كالحجارة سواء. في مهانة الحجارة. وفي رخص الحجارة ، وفي قذف الحجارة. دون اعتبار ولا عناية. وما أفظعها نارا هذه التي توقد بالحجارة! وما أشده عذابا هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة! وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب : «عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ». تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون .. «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» .. فمن خصائصهم طاعة اللّه فيما يأمرهم ، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم .. وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة. وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار. وعليه أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار. فها هم أولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف ، فلا يؤبه لاعتذارهم ، بل يجبهون بالتيئيس :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ. إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
لا تعتذروا فليس اليوم يوم اعتذار ، إنما هو يوم الجزاء على ما كان من عمل. وقد عملتم ما تجزون عليه بهذه النار! فكيف يقي المؤمنون أنفسهم وأهليهم من هذه النار؟ إنه يبين لهم الطريق ، ويطمعهم بالرجاء :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ، عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ، يَقُولُونَ : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ، وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..

هذا هو الطريق .. توبة نصوح .. توبة تنصح القلب وتخلصه ، ثم لا تغشه ولا تخدعه.
توبة عن الذنب والمعصية ، تبدأ بالندم على ما كان ، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة ، فهي عندئذ تنصح القلب فتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها وتحضه على العمل الصالح بعدها. فهذه هي التوبة النصوح.
التوبة التي تظل تذكر القلب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب.

فإذا كانت هذه التوبة فهي مرجوة إذن في أن يكفر اللّه بها السيئات. وأن يدخلهم الجنات. في اليوم الذي يخزي فيه الكفار كما هم في المشهد الذي سبق في السياق. ولا يخزي اللّه النبي والذين آمنوا معه.

وإنه لإغراء مطمع ، وتكريم عظيم ، أن يضم اللّه المؤمنين إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فيجعلهم معه صفا يتلقى الكرامة في يوم الخزي. ثم يجعل لهم نورا «يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ». نورا يعرفون به في ذلك اليوم الهائل المائج العصيب الرهيب. ونورا يهتدون به في الزحام المريج. ونورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم إلى الجنة في نهاية المطاف! وهم في رهبة الموقف وشدته يلهمون الدعاء الصالح بين يدي اللّه : «يَقُولُونَ : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ، وَاغْفِرْ لَنا ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .. وإلهامهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي يلجم الألسنة ويسقط القلوب ، هو علامة الاستجابة. فما يلهم اللّه المؤمنين هذا الدعاء إلا وقد جرى قدره بأنه سيستجيب. فالدعاء هنا نعمة يمنّ بها اللّه عليهم تضاف إلى منة اللّه بالتكريم وبالنور.

فأين هذا من النار التي وقودها الناس والحجارة؟
إن هذا الثواب ، كذلك العقاب ، كلاهما يصور تبعة المؤمن في وقاية نفسه وأهله من النار ، وإنالتهم هذا النعيم في جنات تجري من تحتها الأنهار.

وفي ظلال ذلك الحادث الذي كان في بيوت النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ندرك الإيحاء المقصود هنا من وراء هذه النصوص.
إن المؤمن مكلف هداية أهله ، وإصلاح بيته ، كما هو مكلف هداية نفسه وإصلاح قلبه.

( يتبع )


















 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 01:01 PM   #149


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي






















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

إن الإسلام دين أسرة - كما أسلفنا في سورة الطلاق - ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته ، وواجبه في بيته.
والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة ، وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي ..
المجتمع الإسلامي ..

إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة. ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها ، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها. وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه ، فلا يصعب على طارق ، ولا يستعصي على مهاجم! وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله. واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها. واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدا.

ولا بد من الأم المسلمة. فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة. لا بد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات. فعبثا يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال. لا بد من النساء في هذا المجتمع فهن الحارسات على النش ء ، وهو بذور المستقبل وثماره.

ومن ثم كان القرآن يتنزل للرجال وللنساء وكان ينظم البيوت ، ويقيمها على المنهج الإسلامي ، وكان يحمل المؤمنين تبعة أهليهم كما يحملهم تبعة أنفسهم : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً» ..
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام وأن يدركوه جيدا. إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت.
إلى الزوجة. إلى الأم. ثم إلى الأولاد وإلى الأهل بعامة. ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم. وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولا عن الزوجة المسلمة. وإلا فسيتأخر طويلا بناء الجماعة الإسلامية. وسيظل البنيان متخاذلا كثير الثغرات! وفي الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو في أيامنا هذه .. كان قد أنشئ مجتمع مسلم - في المدينة - يهيمن عليه الإسلام. يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية ، ويهيمن عليه بتشريعه المنبثق من هذا التصور.
وكان المرجع فيه ، مرجع الرجال والنساء جميعا ، إلى اللّه ورسوله. وإلى حكم اللّه وحكم رسوله. فإذا نزل الحكم فهو القضاء الأخير .. وبحكم وجود هذا المجتمع وسيطرة تصوره وتقاليده على الحياة كان الأمر سهلا بالنسبة للمرأة لكي تصوغ نفسها كما يريد الإسلام. وكان الأمر سهلا بالنسبة للأزواج كي ينصحوا نساءهم ويربوا أبناءهم على منهج الإسلام ..

نحن الآن في موقف متغير. نحن نعيش في جاهلية. جاهلية مجتمع. وجاهلية تشريع. وجاهلية أخلاق.
وجاهلية تقاليد. وجاهلية نظم. وجاهلية آداب. وجاهلية ثقافة كذلك!! والمرأة تتعامل مع هذا المجتمع الجاهلي ، وتشعر بثقل وطأته الساحقة حين تهم أن تلبي الإسلام ، سواء اهتدت إليه بنفسها ، أو هداها إليه رجلها. زوجها أو أخوها أو أبوها ..

هناك كان الرجل والمرأة والمجتمع. كلهم. يتحاكمون إلى تصور واحد ، وحكم واحد ، وطابع واحد.
فأما هنا فالرجل يتحاكم إلى تصور مجرد لا وجود له في دنيا الواقع. والمرأة تنوء تحت ثقل المجتمع الذي يعادي ذلك التصور عداء الجاهلية الجامح! وما من شك أن ضغط المجتمع وتقاليده على حس المرأة أضعاف ضغطه على حس الرجل! وهنا يتضاعف واجب الرجل المؤمن. إن عليه أن يقي نفسه النار! ثم عليه أن يقي أهله وهم تحت هذا الضغط الساحق والجذب العنيف! فينبغي له أن يدرك ثقل هذا الواجب ليبذل له من الجهد المباشر أضعاف ما كان يبذله أخوه في الجماعة المسلمة الأولى. ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتا أن يبحث أولا عن حارسة للقلعة ، تستمد تصورها من مصدر تصوره هو .. من الإسلام .. وسيضحي في هذا بأشياء : سيضحي بالالتماع الكاذب في المرآة.

سيضحي بخضراء الدمن! سيضحي بالمظهر البراق للجيف الطافية على وجه المجتمع. ليبحث عن ذات الدين ، التي تعينه على بناء بيت مسلم ، وعلى إنشاء قلعة مسلمة! ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر. وأن يستجيبوا للّه وهو يدعوهم : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً» ونرجع الكرة - بهذه المناسبة - إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام ، والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي. فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة. الإسلام عقيدتها ، والإسلام نظامها ، والإسلام شريعتها ، والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها .
هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس ، ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي ، كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء.

ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة ، محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها. فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق. ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم ، أو في القلعة المسلمة ، التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي.

إنها ضرورة - وليست نافلة - أن تقوم جماعة مسلمة ، تتواصى بالإسلام ، وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها ، فتعيش بها فيما بينها ، وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها ، في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن اللّه. إلى أن يأذن اللّه بهيمنة الإسلام.
حتى تنشأ الأجيال في ظله ، في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب ..

وفي سبيل حماية الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بمجاهدة أعدائها :
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..
وهي لفتة لها معناها وقيمتها بعد ما تقدم من أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار. وبالتوبة النصوح التي تكفر عنهم السيئات وتدخلهم الجنة تجري من تحتها الأنهار ..
لها معناها وقيمتها في ضرورة حماية المحضن الذي تتم فيه الوقاية من النار. فلا تترك هذه العناصر المفسدة الجائرة الظالمة ، تهاجم المعسكر الإسلامي من خارجه كما كان الكفار يصنعون. أو تهاجمه من داخله كما كان المنافقون يفعلون.

وتجمع الآية بين الكفار والمنافقين في الأمر بجهادهم والغلظة عليهم. لأن كلا من الفريقين يؤدي دورا مماثلا في تهديد المعسكر الإسلامي ، وتحطيمه أو تفتيته. فجهادهم هو الجهاد الواقي من النار. وجزاؤهم هو الغلظة عليهم من رسول اللّه والمؤمنين في الدنيا.

«وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» في الآخرة! وهكذا تتناسق هذه الجولة فيما بين آياتها واتجاهاتها كما تتناسق بجملتها مع الجولة الأولى في السياق ..

ثم تجيء الجولة الثالثة والأخيرة. وكأنها التكملة المباشرة للجولة الأولى. إذ تتحدث عن نساء كافرات في بيوت أنبياء. ونساء مؤمنات في وسط كفار :
«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ، كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ ، فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ، وَقِيلَ : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ، إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا ، وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ. وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» ..
والمأثور في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط ، أنها كانت خيانة في الدعوة ، وليست خيانة الفاحشة.

امرأة نوح كانت تسخر منه مع الساخرين من قومه وامرأة لوط كانت تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه! والمأثور كذلك عن امرأة فرعون أنها كانت مؤمنة في قصره - ولعلها كانت أسيوية من بقايا المؤمنين بدين سماوي قبل موسى. وقد ورد في التاريخ أن أم «أمنحوتب الرابع» الذي وحد الآلهة في مصر ورمز للإله الواحد بقرص الشمس ، وسمى نفسه «إخناتون» .. كانت أسيوية على دين غير دين المصريين .. واللّه أعلم إن كانت هي المقصودة في هذه السورة أم إنها امرأة فرعون موسى .. وهو غير «أمنحوتب» هذا ..

ولا يعنينا هنا التحقيق التاريخي لشخص امرأة فرعون. فالإشارة القرآنية تعني حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص. والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة ..

إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا ، بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار. كما يراد أن يقال لأزواج النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وأزواج المؤمنين كذلك : إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء. فهن مسؤولات عن ذواتهن ، ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين! وها هي ذي امرأة نوح. وكذلك امرأة لوط. «كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ» .. «فَخانَتاهُما» ..
«فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» .. «وَقِيلَ : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» ..
فلا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان. وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء! وها هي ذي امرأة فرعون ، لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه .. في قصر فرعون .. عن طلب النجاة وحدها .. وقد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتا في الجنة. وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه. وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به : «وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ»
..
وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم : «وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ..
ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صوره. فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ. في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي .. ولكنها استعلت على هذا بالإيمان. ولم تعرض عن هذا العرض فحسب ، بل اعتبرته شرا ودنسا وبلاء تستعيذ باللّه منه ، وتتفلت من عقابيله ، وتطلب النجاة منه! وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية .. وهذا فضل آخر عظيم. فالمرأة - كما أسلفنا - أشد شعورا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته. ولكن هذه المرأة .. وحدها .. في وسط ضغط المجتمع ، وضغط القصر ، وضغط الملك ، وضغط الحاشية ، والمقام الملوكي. في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء .. وحدها ..
في خضم هذا الكفر الطاغي! وهي نموذج عال في التجرد للّه من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر ، وكل هذه المعوقات ، وكل هذه الهواتف. ومن ثم استحقت هذه الإشارة في كتاب اللّه الخالد. الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى ..

( يتبع )

















 

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2021, 01:02 PM   #150


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

«وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ» .. إنها كذلك مثل للتجرد للّه منذ نشأتها التي قصها اللّه في سور أخرى. ويذكر هنا تطهرها : «الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها» .. يبرئها مما رمتها به يهود الفاجرة! «فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا». ومن هذه النفخة كان عيسى عليه السلام ، كما هو مفصل في السورة المفصلة لهذا المولد «سورة مريم» فلا نستطرد معه هنا تمشيا مع ظل النص الحاضر ، الذي يستهدف تصوير طهارة مريم وإيمانها الكامل وطاعتها : «وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» ..

وإفراد امرأة فرعون بالذكر هنا مع مريم ابنة عمران يدل على المكانة العالية التي جعلتها قرينة مريم في الذكر. بسبب ملابسات حياتها التي أشرنا إليها. وهما الاثنتان نموذجان للمرأة المتطهرة المؤمنة المصدقة القانتة يضربهما اللّه لأزواج النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بمناسبة الحادث الذي نزلت فيه آيات صدر السورة ، ويضربهما للمؤمنات من بعد في كل جيل ..

وأخيرا فإن هذه السورة - وهذا الجزء كله - قطعة حية من السيرة ، رسمها القرآن بأسلوبه الموحي. لا تملك روايات البشر التاريخية عن تلك الفترة أن ترسمها. فالتعبير القرآني أكثر إيحاء ، وأبعد آمادا ، وهو يستخدم الحادثة المفردة لتصوير الحقيقة المجردة ، الباقية وراء الحادثة ووراء الزمان والمكان .. كما هو شأن القرآن ..

قال الصابوني:

* سورة التحريم من السور المدنية التي تتناول الشئون التشريعية، وهي هنا تعالج قضايا وأحكامأ تتعلق (ببيت النبوة) وبأمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات، وذلك في إطار تهيئة البيت المسلم، والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة، المتمسكة بآداب بالإسلام.

* تناولت السورة الكريمة في البدء الحديث عن تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لجاريته ومملوكته (مارية القبطية) على نفسه، وامتناعه عن معاشرتها إرضاء لرغبة بعض زوجاته الطاهرات، وجاء العتاب له لطيفا رقيقا، يشف عن عناية الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يضيق على نفسه ما وسعه الله له {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك..} الآية.

* ثم تناولت السورة أمرا على جانب كبير من الخطورة، ألا وهو (إفشاء السر) الذي يكون بين الزوجين، والذي يهدد الحياة الزوجية، وضربت المثل على ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة بسر واستكتمها إياه، فأفشته إلى عائشة، حتى شاع الأمر وذاع، مما أغضب الرسول حتى هم بتطليق أزواجه {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حدبثا..} الآية.

* وحملت السورة الكريمة حملة شديدة عنيفة، على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث ما حدث بينهن من التنافس، وغيرة بعضهن من بعض، لأمور يسيرة، وتوعدتهن بإبدال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بنساء خير منهن، انتصارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات..} الآية.

* وختمت السورة بضرب مثلين: مثل (للزوجة الكافرة) في عصمة الرجل الصالح المؤمن، ومثل! (للزوجة المؤمنة) في عصمة الرجل الفاجر الكافر، تنبيها للعباد على أنه لا يغني في الآخرة أحد عن أحد، ولا ينفع حسب ولا نسب، إذا لم يكن عمل الإنسان صالحا {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} أي كفرتا بالله ولم تؤمنا {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل أدخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة..} الآيات. وهو ختم رائع يتناسق مع جو السورة وهدفها في ترسيخ دعائم الفضيلة والإيمان.




قال محمد الغزالي:

أمهات المؤمنين خيرة نساء الأمة وأعلاهن طهرا ومكانة وتقوى، وقد صحبن النبي الكريم وعاونه! على أداء رسالته وارتفعن إلى ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وقد آخذهن الله بأمرين معروفين في السيرة: الأول، اتفاقهن على مطالبة النبي بالمزيد من النفقة، وضيقهن بالمعيشة الناشفة التي التزمها. وقد رضين جميعا بالبقاء معه عندما أكد لهن أنه ما بد من هذه الحياة لمن يريد الله ورسوله والدار الآخرة! أما الأمر الثانى فإن النبي كان لطيف العشرة لين الجانب دميث الأخلاق، فأطمع ذلك بعض نسائه في الجراءة عليه. وكانت الغيرة هي السبب، فزعمت إحداهن أنها شمت منه رائحة غير طبيعية، فقال: شربت عسلا عند زينب! فقالت: لعل نحله وقع على نبات سيئ. فقال: لا أعود إليه ولا تخبرى أحدا. ثم ظهر أن القصة مفتعلة، وأنها مؤامرة لتزهيده في فلانة!! وغضب الرسول لما وقع، وهجر نساءه جميعا حتى شاع أنه طلقهن! ونزلت سورة التحريم تطفئ هذه الفتنة وتؤدب من أحرج الرسول وأساء المسلك، وبدأت بالآية {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم...} والعلماء على أن تحريم الحلال يمين، وكفارته كفارة يمين، وليس لأحد أن يحزم ما أباح الله. ثم أومأ الوحى إلى القصة. والمفسرون يذكرون أن حفصة بنت عمر وعائشة بنت أبى بكر هما سبب ما حدث، والمعنيتان بقوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}.

ومعنى {صغت قلوبكما} انحرفت وجدير بكما إصلاحها وإلا أصابكما ما يحبط عملكما ويعزلكما عن سائر الصالحين! ثم اتجه الخطاب إلى نساء النبي ينصحهن بالوعى والاعتدال وتقدير الأدب الرفيع الذي يعاملن به {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا}. إن الشمائل الجميلة الحلوة لصاحب الرسالة لا يسوغ أن تكون سببا في إزعاجه وإتعابه. وبيت النبوة ليس مسرحا للغيرة والتحاسد وإنما هو صومعة عبادة ومجال إقبال على الآخرة، وتفان في مرضاة الله. ولعل ما ختمت به السورة تلويح شديد القسوة لمن شاركن في إغضاب الرسول وأثرن الحزن في نفسه.

إن امرأة نوح وامرأة لوط لم يساعدا رجالهما في إبلاع الدعوة، بل كانتا عونا لأعداء الله وخصوم الوحى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}. والخيانة المذكورة ليست في الناحية الجنسية، فتلك غضاضة يأباها الله على عباده المرسلين، وإنما هي خيانة الدعوة والهدف الأسمى من الحياة.. كانت لسقرأط امرأة سليطة تزدرى شخصه وتستهجن فلسفته وتنغص حياته! وكانت لنوح ولوط نسوة ينصرن أقاربهن ويخذلن أزواجهن ويكرهن الله ورسله! فجعلهن الله مع الكفار في مصير واحد {وقيل ادخلا النار مع الداخلين}. والمسئولية الشخصية أساس الحساب في الإسلام فلا يغنى والد عن ولد ولا زوج عن زوجة. وسيدخل فرعون النار وتفوز امرأته بالجنة لا يمسها من عمله شيء. وبين أوائل السورة وخواتيمها، طلب الله من أرباب الأمر أن يرقبوا بيوتهم ويجعلوها مهادا للنعيم المقيم وحجابا عن العذاب الشديد {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة...}. ثم بين جل شأنه أن الله لم يكلف الناس بالعصمة فلا يخطئوا أبدا، بل أمرهم إذا أخطئوا أن يثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى ربهم ويستفيدوا من التجارب ما يرزقهم الصواب ويحصنهم من الانزلاق {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا...} والتوبة النصوح هي التي تصنع ضميرا آمرا بالخير زاجرا عن الشر مذكرا بالله.
ومما يذكر هنا أن بعض المستشرقين استنكر على الوحى الإلهى أن يعنى بنزاع ثار في بيت محمد، وأن يشغل الناس به. وقد سرد الدكتور محمد حسين هيكل الشبهة ثم قال: أليست القصة أولى بالذكر مما أورده الكتاب المقدس عن زنى لوط بابنتيه بعدما أسكرتاه وأفقدتاه الوعى؟ ونقولى نحن: أوليست أولى بالذكر من زنى أحد الأنبياء بامرأة ابنه، والثمن الذي دفعه في هذه الفعلة الشنعاء.. إن المستشرقين يلمحون القشة في عيون الآخرين ولا يحسون الخشبة في عيونهم. ولله في خلقه شئون.

( يتبع – سورة الملك )

















 

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:10 PM

أقسام المنتدى

۩۞۩{ نفحات سكون القمر الإسلامية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ أرصفة عامة}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون للنقاش والحوار الجاد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مرافئ الترحيب والإستقبال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سعادة الأسرة بــ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني أنثى نقية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ النكهات المطبخية وفن الوصفات}۩۞۩ @ ۩۞۩{ آفاق إجتماعية في حياة الطفل }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الطب والحياة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ جنة الأزواج }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الديكور والأثاث المنزلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ متنفسات شبابية في رحاب سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ لأنني رجل بـ كاريزما }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون صدى الملاعب }۩۞۩ @ ۩۞۩{ عالم الإبداع والتكنولوجيا }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الكمبيوتر والبرامج }۩۞۩ @ ღ مـنـتـدى البـرامــج ღ @ ღ منتدى التصاميم والجرافكس والرسم ღ @ ۩۞۩{ مرافي التبريكات والتهاني }۩۞۩ @ ۩۞۩{ شرفات من ضوء لـ سكون القمر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الصور والغرائب }۩۞۩ @ ღ سكون قسم الألعاب والتسلية والمرح ღ @ ღ المواضيع المكررة والمحذوفه والمقفله ღ @ ۩۞۩{ محكمة سكون القمر الإدارية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ قسم الإدارة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رطب مسمعك ومتع عينيك }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم السري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الفعاليات والمسابقات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ السياحة والسفر }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الأخبار المحلية والعالمية }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون اليوتيوب YouTube }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تاجك يا عروس شكل تاني }۩۞۩ @ الآطباق الرئسية والمعجنات والصائر @ أزياء ألاطفال @ ۩۞۩{ ملتقى الأرواح في سماء سكون القمر}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ شؤون إدآرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منتدى المنوعات }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لـ الشخصيات والقبائل العربية والانساب }۩۞۩ @ البرامج وملحقات الفوتوشوب @ ۩۞۩{قسم التعازي والمواساه والدعاء للمرضى }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ تطوير الذات وعلم النفس }۩۞۩ @ ღ خاص بالزوار ღ @ ۩۞۩{ سكون خاص لعدسة الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{ فصول من قناديل سكون القمر }۩۞۩ @ منتدى كلمات الاغاني @ خدمة الاعضاء وتغيير النكات والاقتراحات والشكاوي @ ۩۞۩{ الهطول المميز بقلم العضو}۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لاعجاز وعلوم وتفسير القرآن الكريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ساحة النون الحصرية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القصيد الحصري بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الحصرية بقلم العضو }۩۞۩ @ ۩۞۩{القصص الحصرية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ متحف سكون ( لا للردود هنا) }۩۞۩ @ ۩۞۩{ دواوين الأعضاء الأدبية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ منوعات أدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{ماسبق نشره بقلم الأعضاء }۩۞۩ @ ۩۞۩{الخواطر وعذب الكلام }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الشعر والقصائد}۩۞۩ @ ۩۞۩{عالم القصة والرواية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المقالات الأدبية}۩۞۩ @ ۩۞۩{فنجان قهوة سكون }۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات الأعضاء المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{ تقنية المواضيع }۩۞۩.! @ ۩۞۩{ نزار قباني }۩۞۩.! @ ۩۞۩{الشلات والقصائد الصوتية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتبة شايان}۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة منى بلال }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الكاتبة أنثى برائحة الورد }۩۞۩ @ ۩۞۩{ الردود المميزة }۩۞۩ @ ۩۞۩{في ضيافتي }۩۞۩ @ ۩۞۩{كرسي الاعتراف }۩۞۩ @ ۩۞۩{ ركن الادبية عطاف المالكي شمس }۩۞۩ @ ۩۞۩{ سكون لــ الفتاوى والشبهات }۩۞۩ @ ۩۞۩{حصريات مطبخ الأعضاء }۩۞۩ @ قسم النكت @ ۩۞۩{ المجلس الإداري }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الاديب نهيان }۩۞۩ @ ۩۞۩{سكون لـ الطب والحياه }۩۞۩ @ ۩۞۩{ القسم الترفيهي}۩۞۩ @ ۩۞۩{ مدونات خاصة }۩۞۩ @ ۩۞۩{دواووين شعراء الشعر الحديث والجاهلي }۩۞۩ @ ۩۞۩{ركن الكاتب مديح ال قطب}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الخيمة الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المسابقات والفعاليات الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ رمضان كريم}۩۞۩ @ ۩۞۩{ الفتاوي الرمضانية }۩۞۩ @ ۩۞۩{ المطبخ الرمضاني}۩۞۩ @ ۩۞۩{ يلا نٍسأل }۩۞۩ @ قسم الزوار @ مشاكل الزوار @ الارشيف @ دروس الفوتوشوب @ تنسيق وتزيين المواضيع @



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا