عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-2018, 08:14 AM   #2


أميرة بكلمتي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 213
 تاريخ التسجيل :  01-11-2012
 أخر زيارة : 03-11-2024 (02:38 AM)
 المشاركات : 14,048 [ + ]
 التقييم :  522
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



الرمي ليلاً:
رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - جمرة العقبة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك في أيام التشريق بعد الزوال، وقال: ((لتأخذوا مناسككم)).

وقد اتفق العلماء على جواز الرمي إلى غروب الشمس من أيام التشريق، وكذا يمتد رمي جمرة العقبة إلى غروب الشمس من يوم العيد، على القول الراجح.

ووقع الخلاف في جواز الرمي ليلاً عن اليوم الذي غابت شمسه، والراجح جوازه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدد أول وقت الرمي بفعله، ولم يحدد آخره، وقد ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخَّص للرعاة أن يرموا بالليل؛ أخرجه البزار (782 "مختصر زوائده") والبيهقي (5/151)، وحسنه الحافظ في "التلخيص" (2/ 282)، وله شاهد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أخرجه الطحاوي "شرح معاني الآثار" (2/ 221) والطبري "تهذيب الآثار" (1/ 222).

وجاء في "الموطأ" (1/ 409) عن مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه: "أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عبيد نُفِسَتْ بالمزدلفة، فتخلفت هي وصفية حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما عبدالله بن عمر أن ترميا الجمرة حين أتتا، ولم يَرَ عليهما شيئًا"؛ وإسناده صحيح.

وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (4/ 30) عن عبدالرحمن بن سابط، قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدمون حجاجًا، فيدعون ظهرهم، فيجيئون فيرمون بالليل"؛ وإسناده صحيح.

ولأن اليوم وقت للرمي، والليل يتبعه في ذلك، كليلةِ النحر تابعة ليوم عرفة في صحة الوقوف إلى طلوع الفجر.
فمَن يشق عليه الرمي نهارًا كالمرأة، ونِضْوِ الخلقة، وكبيرِ السن؛ فله أن يرمي ليلاً، وكذا من يكون رميه ليلاً أيسرَ له وأكثر طمأنينة، فإنه يرمي بالليل؛ بل إنني أؤكد على من معه نساء ألاَّ يرمي إلا ليلاً، لا سيما في اليوم الحادي عشر؛ لشدة الزحام، أما اليوم الثاني عشر - وهو يوم النفر الأول - فالرمي قبيل الغروب ممكن بلا مشقة، حتى للنساء، ولا سيما مَن أراد أن يتعجل، ليخرج من منى قبل غروب الشمس.

المبيت بمنى:
المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر - وكذا الثالث عشر لمن لم يتعجل - واجبٌ من واجبات الحج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بها وقال: ((لتأخذوا مناسككم))، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - رخص للسقاة والرعاة في ترك المبيت، والتعبير بالرخصة يدل على وجوب المبيت لغير عذر.

ومَن اجتهد ولم يجد مكانًا يليق بالمبيت، سقط عنه، وله أن يبيت خارجها، ولا شيء عليه؛ لعموم قوله – تعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله – تعالى -: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))؛ أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337).

وليس من ذلك المبيت في الشوارع، أو على الأرصفة في طرق الناس والسيارات، فإن في ذلك ضررًا عظيمًا، وخطرًا جسيمًا لا تأتي الشريعة بمثله، ولا سيما في مناسك الحج القائمة على التيسير والتسهيل على المكلَّفين، وأعظم من ذلك أن يبيت في الشوارع، أو على الأرصفة ومعه نساء، فهذا ومَن قبله يسقط عنه المبيت؛ لما في ذلك من الضرر، فإن المرأة إن بقيت جالسة فهذا فيه مشقة، وإن اضطجعت فليس من الأدب أن تضطجع في طريق الناس، وقد يظهر شيء من بدنها دون أن تشعر، ومن يفعل ذلك فإنما يفعله بدافع الحرص على تأدية الواجب، وهذا أمر مطلوب في المناسك، لكن إذا وجد العذر سقط الواجب، والله أعلم.

الرمي قبل الزوال:
لا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى بعد الزوال، وقال: ((لتأخذوا مناسككم))، فيكون الرمي داخلاً في هذا العموم.

وقد رمى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر ضحًى، ورمى في أيام التشريق بعد الزوال، كما ذكر ذلك جابر - رضي الله عنه - فدل على اختلاف الحكم، ثم لو كان الرمي جائزًا قبل الزوال؛ لفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من المبادرة بالعبادة في أول وقتها، ولما فيه من التيسير على الناس، وتطويل وقت الرمي.

وقد ورد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا"؛ أخرجه البخاري (1746).

وهذا قول الجمهور من أهل العلم، وهو الراجح في هذه المسألة - إن شاء الله - فمن رمى قبل الزوال وجب عليه أن يعيد؛ لأنه رمى قبل دخول وقت الرمي، ولا فرق في ذلك بين اليوم الثاني عشر، وهو يوم النفر الأول، أو غيره من أيام التشريق، وإن كان بعض العلماء أجاز الرمي قبل الزوال في يوم النفر الأول، وهو اليوم الثاني عشر، واستدل بالآية الكريمة: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]، لكن ذلك معارض بفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم.

ووقت الرمي فيه سعة - ولله الحمد - ولا موجب للرمي قبل الزوال إلا العجلة التي عليها غالب الناس في زماننا هذا، والله المستعان.

مَن تعجل في اليوم الثاني عشر وأدركه الغروب:
من تعجل في الخروج من منى في يوم النفر الأول، وهو اليوم الثاني عشر من أيام التشريق، بأن حمل متاعه، وركب سيارته قبل الغروب، ثم حبسه المسير في سيارته؛ لكثرة السيارات، أو لعذر آخر، فإنه يتعجل ويستمر في سيره، ولا يلزمه المبيت بمنى تلك الليلة والرمي من الغد؛ لأنه قد أخذ في التعجل وتهيأ له، ثم حُبِسَ بغير اختياره، وكذا لو خرج من منى قبل الغروب، ثم عاد إليها بعده لحاجة نسيها أو نحو ذلك، جاز له أن يستمر في طريقه، ولا يلزمه المبيت، لكن من أخَّر الرمي إلى ما بعد الغروب لزمه المبيت؛ لأنه لا يصدق عليه أنه تعجل، والله أعلم.

إجزاء طواف الإفاضة عن طواف الوداع:
إذا أخَّر طواف الإفاضة - وهو طواف الحج - فطافه عند خروجه من مكة، أجزأ عن طواف الوداع، لكن ينوي طواف الحج؛ لأنه ركن، وطواف الوداع واجب، فيجزئ الأعلى عن الأدنى، لا العكس، وإنما أجزأ طواف الإفاضة عن الوداع؛ لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت، وقد فعل، وهما عبادتان من جنس واحد، فأجزأت إحداهما عن الأخرى.

وهذا واضح بالنسبة للمفرِد والقارن الذي سعى سعيَ الحج مع طواف القدوم؛ إذ ليس عليه بعد ذلك إلا الطواف، ويكون آخر عهده بالبيت.

أما المتمتع الذي أخَّر طواف الإفاضة إلى وقت خروجه من مكة؛ فإن عليه السعي بعده، فلا يكون آخر عهده بالبيت، فهل يحتاج إلى وداع بعده؟
الأظهر - والله أعلم - أنه لا يحتاج إلى وداع بعد السعي؛ لأن السعي تابع للطواف، فلا يضر الفصل بين الطواف وبين الخروج بالسعي، وقد بوب البخاري - رحمه الله - فقال (3/ 612): "باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع؟"، ثم أورد حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: ((اخرُج بأختك من الحرم، فَلْتُهِلَّ بعمرة، ثم افرُغا من طوافكما))، وظاهرُه أنها لم تؤمر بوداع، قال ابن بطال - رحمه الله - في "شرحه على البخاري" (4/ 445): "لا خلاف بين العلماء أن المعتمر إذا طاف، وخرج إلى بلده، أنه يجزئه من طواف الوداع، كما فعلت عائشة"، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، وأقرَّه.

لكن يشكل على ذلك روايةٌ أخرى للبخاري (1560)، وفيها تقول عائشة - رضي الله عنها - بعد أن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخاها أن يَخرُج بها لأداء العمرة: "فخرجنا حتى إذا فرغتُ، وفرغتُ من الطواف"، فهذا ظاهره أن الفراغ الأول من العمرة، والفراغ الثاني من طواف الوداع، ولعل هذا هو الذي جعل البخاري ساق الترجمة بلفظ الاستفهام، ولم يبتَّ في الحكم، والله أعلم.


من مسائل العمرة
من سافر إلى جدة لحاجة وهو يريد العمرة:
من سافر إلى جدة لحاجة وهو يريد العمرة، ففيه تفصيل؛ فإن كان قصده السفر لأجل النسك، وهو إرادة العمرة، وحاجتُه تبعٌ لذلك، فإنه يجب عليه الإحرام إذا وصل الميقات، أو حاذَى أحد المواقيت - كذي الحليفة مثلاً - لقوله - صلى الله عليه وسلم - في المواقيت: ((هُنَّ لهن، ولمن أتى عليهن مِن غيرهن، ممن أراد الحج والعمرة))؛ أخرجه البخاري (1524) ومسلم (1181) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - وهذا يصدق عليه أنه أتى على ميقات وهو مريدٌ العمرة، فيلزمه الإحرام.

وإن كان قصده السفرَ لحاجته، والنسك جاء تبعًا، بمعنى أنه إن تيسر له، وكان عنده متسع من الوقت، أتى به، فهذا لا يلزمه إحرامٌ إذا مرَّ بالميقات؛ بل له أن يتجاوزه بدون إحرام؛ لأنه وقتَ مروره بالميقات غيرُ مريدٍ الحجَّ ولا العمرةَ.

فإذا انتهت حاجته وهو في جدة، وأراد العمرة، أحرم منها، ولا يلزمه أن يذهب إلى أحد المواقيت؛ لأن جدة ميقات لأهلها، ولمن وفد عليها غيرَ مريدٍ للحج والعمرة، ثم أنشأ إرادة الحج أو العمرة منها، أما القادمون إليها ممن أراد الحج أو العمرة فليست ميقاتًا لهم؛ لأنها داخل المواقيت، فمن أحرم منها فقد تجاوز الميقات، والله أعلم.

من لبس ثيابه قبل الحلق في العمرة:
إذا طاف المحرم وسعى، ثم لبس ثيابه ناسيًا قبل أن يحلق أو يقصر؛ فعليه أن يخلع ثيابه متى ذَكَر ويلبس ثياب الإحرام، ثم يحلق رأسه أو يقصر، ثم يعيد ثيابه، سواء تذكَّر ذلك في مكة أو في غيرها؛ لأن الحلق أو التقصير نسك لا بد أن يأتي به في حال الإحرام.

وإن حَلَق أو قصر وعليه ثيابه جاهلاً أو ناسيًا؛ فلا شيء عليه، وكذا لو فعل قبل الحلق شيئًا من محظورات الإحرام ناسيًا، فلا شيء عليه؛ لعموم قوله – تعالى -: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استُكرهوا عليه))؛ أخرجه ابن ماجه (2045) والبيهقي (7/ 356) وغيرهما، وهو مروي عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - وله طرق، وشواهد من القرآن تدل على صحته.

طواف الوداع للعمرة:
دلت السُّنة الصحيحة على أن طواف الوداع من مناسك الحج وشعائره؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت؛ إلا أنه خفف عن الحائض"؛ أخرجه البخاري (1755) ومسلم (1328) (380)، وعنه أيضًا - رضي الله عنه - قال: كان الناس ينفرون في كل وجه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينفرنَّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت))؛ أخرجه مسلم (1327) وفي لفظ: "كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورخص للحائض"؛ أخرجه الحاكم (1/476) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

فهذا الحديث بألفاظه، نص صريح في أن طواف الوداع خاص بالحج، من وجهين:
الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك في حجة الوداع، وخاطب به الحجاج، ولم ينقل أنه قال ذلك في عمرة من عُمَرِهِ.

الثاني: أن الأوصاف المذكورة لا تنطبق إلا على الحج؛ لأنه لولا الوداع لكان الناس ينفرون من منى بعد رمي الجمرات إلى حيث شاؤوا، فأمروا أن يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت.

وأما العمرة فليس لها وداع؛ بل نقل ابن رشد في "بداية المجتهد" (2/ 266) الإجماعَ على أنه ليس على المعتمر إلا طوافُ القدوم؛ أي: طواف العمرة، وقد صرح جمهور الفقهاء بأن طواف الوداع لا يجب على غير الحاج؛ وذلك أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر الأمة بطواف الوداع للعمرة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر أربع عُمَرٍ ولم يُنقل أنه طاف للوداع في واحدة منها، ولا أمر أحدًا من أصحابه بذلك، ولو حصل لنقل إلينا كنقل سائر المناسك، ومنها طوافه للوداع في الحج.

وقد اعتمر أصحابه - صلى الله عليه وسلم - والتابعون لهم بإحسان، ولم ينقل أنهم كانوا يطوفون للوداع، ولا تكلموا بذلك، والأصل براءة الذمة، فلا يُنتقل عنها إلا بدليل صحيح، سالم عن المعارض، وعلى هذا فليس للعمرة وداع، سواء خرج المعتمر بعد أداء المناسك، أو أقام في مكة ثم خرج، والله أعلم.

تكرار العمرة:
دلت الأحاديث الصحيحة على فضل العمرة، واستحباب الإكثار منها، ومن ذلك ما تقدم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))؛ متفق عليه.

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تابِعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة))؛ أخرجه أحمد (1/ 387) والنسائي (5/ 115) والترمذي (810) وهو حديث حسن، وصححه الترمذي، وله شواهد.

لكن ينبغي أن يُعلَم أن تكرار العمرة الذي ثبت فيه الثواب، هو ما كان من الميقات في سفرة مفردة، كما قرر ذلك أهل العلم، ومنهم العلامة ابن القيم - رحمه الله - في "زاد المعاد" (2/ 94، 175، 176).

وأما الإحرام بالعمرة، ثم الإحرام بأخرى بعد فراغه من الأولى، فهذا ليس من هدي سلف هذه الأمة، وهم أدرى منا بمعاني نصوص الشرع، والعمرة عبادة، ولا بد من دليل يفيد استحباب ذلك، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "الفتاوى" (26/ 145): "والإكثار من الطواف من الأعمال الصالحة، فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية، فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولا رغَّب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم – أمتَه؛ بل كرهه السلف".

وقال أيضًا (26/ 249): "فأما كون الطواف بالبيت أفضل من العمرة لمن كان بمكة؛ فهذا مما لا يستريب فيه مَن كان عالمًا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنة خلفائه، وآثار الصحابة وسلف الأمة وأئمتها".

وقال أيضًا (26/ 264): "وهذا الذي ذكرناه مما يدل على أن الطواف أفضل، فهو يدل على أن الاعتمار من مكة وترك الطواف، ليس بمستحب؛ بل المستحب هو الطواف دون الاعتمار؛ بل الاعتمار فيه حينئذٍ بدعة، لم يفعله السلف، ولم يؤمر بها في الكتاب والسنة، ولا قام دليل شرعي على استحبابها، وما كان كذلك فهو من البدع المكروهة باتفاق العلماء".

وعلى هذا فما يفعله كثير مِن الناس، مِن الإكثار من العمرة في رمضان، أو بعد الحج، أو في أوقات أخرى، حيث يخرجون إلى التنعيم، أو غيره من جهات الحل، وقد سبق أن أتى الواحد منهم بعمرة من الميقات الذي مرَّ به - فهذا كله غير مشروع؛ لعدم الدليل عليه - كما تقدم - بل الأدلة تدل على تركه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يفعلوا ذلك في حجة الوداع ولا غيرها، إلا عائشة - رضي الله عنها - كما سيأتي، مع ما في ذلك من إيجاد الزحام في المطاف لأناس يطوفون إتمامًا لمناسك حجهم - كما في أيام الحج - أو يطوفون لنسك أحرموا به من الميقات - كما في رمضان أو غيره - أو يطوفون تطوعًا - وهم أفضل من هؤلاء كما تقدم.

وأما كون عائشة - رضي الله عنها - اعتمرت بعد حجتها؛ فهذا لا دليل فيه على تكرار العمرة، أو الإتيان بها بعد الحج لمن اعتمر قبله؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن عمرة عائشة - رضي الله عنها - من التنعيم، إما أن تكون قضاء لعمرتها المرفوضة عند من يقول بذلك، وإما أن تكون زيادة محضة، وتطيبًا لقلبها عند من يقول: إنها كانت قارنة.

الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتظر عائشة في الأبطح ومعه أصحابه، وتأخروا لأجلها، فلو كانت العمرة مشروعة لذهبوا جميعًا؛ حرصًا على الثواب، واستفادة من الوقت، لكن لم يحصل ذلك، فينبغي للمسلم أن يتأسى بنبيه وقدوته محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - وأن يكثر من الطواف بالبيت والدعاء، فهذا هو الأفضل، والله أعلم.

[1] الحَقْوُ: موضع شد الإزار، وهو الخاصرة.
[2] ذكر ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/ 147): أنه يُذكر أن أول من عبَّر بالمخيط إبراهيمُ النخعي، وقد بحثت عن ذلك فلم أجده، ووجدت في "المبسوط" للسرخسي (4/ 138) أن زُفر بن الهذيل عبَّر بذلك، وهو من أصحاب أبي حنيفة، مات سنة (158هـ).
[3] انظر: "الشرح الممتع" (7/ 418).
[4] الضن: بالضاد هو: البخل، يقال: ضَنَّ بالشيء يَضَنُّ، من باب (تعب): بخل.











 

رد مع اقتباس