منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ رمضان كريم}۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=172)
-   -   صَبْرُ الصائمين... (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=181795)

عطر الزنبق 03-14-2019 01:03 AM

صَبْرُ الصائمين...
 
https://upload.3dlat.com/uploads/13831400419.gif

تقفُ على طريق الحق أهوالٌ متنوعة تترصّد أهلَه لتفتك بهم،

أو تؤخر مسيرهم عن الوصول إلى غايتهم، وتتبدى بصور مختلفة،

وتعترض السبيل بأساليب متعددة، وكلما تجاوز أهل الحق هولاً منها

بدا آخر، فمنهم من ينجو، ومنهم من يهلك، وتستمر الحال

حتى بلوغ المسافر أرضَ وطنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن أمتكم هذه جعل عافيتها

في أولها، وسيصيب آخرَها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقّق

بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف،

وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه)[1].
والسالك هذه السبيلَ المحفوفة بالمكاره والفتن إذا لم تكن له درع

حصينة تحميه فتكَ هؤلاء القُطاّعِ فإن كلاليبها ستتخطفه وتهوي

به في مكان سحيق.
فمن الدروع السابغة التي متى ما تدرع بها المسلم جعلته يمضي

في طريق الجنة حتى يصل إليها - بعد خوض الغمرات، ومصابرة
المكروهات، وعصيان الإغراءات -: درعُ الصبر، الذي يعني:
حبس النفس على لزوم الحق في أمر تفعله، أو أمر تنكف عنه.
والصبر خُلُق من الأخلاق الكريمة التي تشير إلى النفوس العظيمة،

استطاعت باتشاح هذا الخلق النبيل أن تقارع الأخطار،
وأن تنازل الأضرار، حتى تصل إلى محمود الأمر، وسنام الهدف،

وانفراج الحال بعد الضيق، والراحة عقب العناء، وذلك لا يكون

إلا على جناح هذه الشيمة النبيلة، قال نهشل بن حرّى بن ضمرة:
ويومٍ كأنّ المصطلين بحرّه

-وإن لم يكن نارٌ- قيامٌ على الجمرِ

صبرنا له حتّى تقضّى وإنّما

تُفرّج أيامُ الكريهة بالصّبر[2]


وقال الآخر:

بكى صاحبي لما رأى الموتَ فوقنا

مُطلاًّ كإطلال السحاب إذا اكفهرْ

فقلتُ له لا تبك عينُك إنما

يكون غداً حسنُ الثناء لمن صبر

فما أخرّ الإحجامُ يوماً معجّلاً

ولا عجّل الإقدامُ ما أخّر القدر[3]
وهو صفة حميدة تضبط النفس، وتقيمها على نهج المكارم، وتضيء

لها فجر النجاة في حالك الظُلَم، قال عليه الصلاة والسلام:
(والصبر ضياء)[4].
وهو عبادة من العبادات التي يحبها الله تعالى من عبده، ويجازيه

عليها جزاء وافراً؛ لأنه يقود النفس إلى ركوب الآلام بغية الآمال،
ويبني رسوخها على الحمد عند زلازل الأمور، ويكبح جماحها حين

تريد السوم في حمى المحظورات؛ ولذلك تواترت الآيات القرآنية

الكثيرة في الأمر به، والثناء على أهله، وبيان أهميته وفضله، والإخبار
عن الثواب الجزيل لمن اتصف به، قال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[آل عمران: 200]،

وقال: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا

إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[النحل: 110]،
وقال: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا

حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
[الزمر: 10].
والحياة الدنيا كلها معركة صبر لا يدخل أحد الجنة إلا بالانتصار فيها؛

ولذلك يأتي الملائكة في دار الفلاح مهنئين أهل الظفر في هذه المعركة

قائلين لهم: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾

[الرعد: 24].
وما شهر رمضان إلا صفحة من صفحات الصبر في كتاب الحياة، ل

كنها صفحة ليست ككل الصفحات، ففي رمضان تتجلى معاني الصبر
في أبهى صورها، وأنصع سطورها؛ ولذلك سمي بشهر الصبر،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام
من كل شهر صوم الدهر)[5].
ففيه تجتمع أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله تعالى،

وصبر عن معصيته، وصبر على أقداره المؤلمة.
فالتحلي بالصيام الصحيح، والمداومة على القيام والتراويح،

وحبسُ النفْسِ الطويلُ على تلاوة القرآن وتدبره، والاجتهاد في العشر
الأخيرة، وقيام ليلة القدر، والانتصار على النفس لتجود على المحتاجين،

وأمرُ الأهل والأولاد بالفضائل، وتحذيرهم من الرذائل، وتعليم الناس

ووعظهم، وغير ذلك من الطاعات؛ كل ذلك من الصبر على طاعة الله تعالى.

قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ

وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا

قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾
[الكهف: 28]،
وقال: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا

نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾

[طه: 132].

وهذا النوع من الصبر إذا قام به الصائم على تمامه يعظم حمله

عليه حينما لا يرى صاحبُه قدوات كثيرة يستأنس بهم، فقد يشعر
بالغربة في وسط مجتمع راغب عن المسارعة إلى هذه القربات،

ولكن يستحثه إلى تصبير نفسه على تلك الفضائل ما يعلمه من الأجر

العظيم، والنوال الكريم لمن سارع إليها، وزاد حظه منها.
وكفُّ النفس عن مفطِّرات الصيام، وحظرُ الجوارحِ عن الآثام،

من عين وسمع ولسان، والبعدُ عن جميع المحرمات؛ هو صبر
عن معصية الله تعالى.
والمعين على لزوم هذا الصبر: أن تقوى في قلب الصائم معاني

الخوف والحياء من الله عز وجل، وأن يتذكر ما أعده الله لمن عصاه

من الغضب والعقوبة، وما يلحق العاصي من الخزي والندامة؛
لكون المعاصي حلوةَ الأوائل مرّةَ العواقب، كما قال بعض الحكماء.
وغانيةٍ مثلِ الربّابة حسنُها

ينادي مُعنّى القلبِ هل لك في مثلي

فقلتُ فؤادُ الصَبِّ هاوٍ وخوفُه

من الله كفّ النفسَ عن زللِ الوصل

وفي الصبر سلوى عن وصالكِ والهوى

يُزَّمُ بأعلاق الديانة والعقل

والصائم إذا خطم نفسه عن ورود هذه المناهي عظُمَ شأنه عند الله

وعند الناس، واستطاع أن يستريح راحة ممتدة في حاضره ومستقبله،

وتحرر من تسلط النفس عليه، فكان سيدَها الذي يقودها،
ولم يعد عبداً لها تقوده.
والنوع الأخير هو صبر الصائم على أقدار الله؛ فالصائم

قد يفقد بعض المحبوبات، وتطوقّه المشقات، وتنزل بساحته المكروهات،

سواء ما تعلق منها بالصيام أم ما كان خارجًا عنه، فالصائم يواجه

في رمضان حرَّ الجوع وأُوامَ العطش، وما يتبع ذلك من ذبول الأعضاء،

وفتور الحركة، ويشتد ذلك إذا كان صيامه في جوٍّ شديدٍ حره،
فيجتمع على الصائم حرّ الباطن، وحر الظاهر.
ربّ يومٍ هواؤُه يتلظَّى

فيحاكي فؤادَ صَبٍّ متّيمْ

قلتُ إذ صاب حَرُّه حَرَّ وجهي

ربنا اصرفْ عنا عذابَ جهنمْ[6]
ويواجه الصائم ما يدعو إلى الكراهة، وبعثِ الغضب من مكامنه؛

كسوء أخلاق بعض الناس، ويلاقي مصائب أخرى تستثير منه الجزعَ

وخِفة الحلم، ولكن الصائم العاقل يقابل كلَّ ذلك بحبس النفس

عن السخط والتضجر، وتفجر الغضب والمبادرة إلى الانتقام،
ويساعده على هذا النوع من الصبر: ما يرجوه من ثواب الله تعالى
للصابرين المحتسبين، وما يعقبه هذا الصبر من المسارِّ العاجلة

والآجلة، وما يجنيه الطيش والخروج عن هذا الحصن الحصين

إلى الغضب والسخط من المضار نقداً أو نسيئة.
قال تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ
وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ

وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ

هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[البقرة: 155 - 157].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاء الأنبياء،

ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه

صُلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه،

فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)
[7].
قال ابن حميدس:

صَبَرْنَا لهمْ صَبْرَ الكرام ولم يَسُغْ ♦♦♦ لنا الشهدُ إلاَّ بعدما ساغَ علقمُ
[8].
وقال آخر:

وكم غمرةٍ هاجت بأمواج غمرة ♦♦♦ تلقّيتها بالصبر حتى تجلّتِ
[9].
[1] رواه مسلم.

[2] بهجة المجالس وأنس المجالس، لابن عبد البر
(ص: 102).
[3] عيون الأخبار، لابن قتيبة

(ص: 53).
[4] رواه مسلم.
[5] رواه أحمد والنسائي، وهو صحيح.
[6] البيتان للثعالبي، نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري

(1/ 162).
[7] رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم،

وهو صحيح.
[8] ديوان عبد الجبار بن حمديس
(ص: 569).
[9] الكشكول، للعاملي

(2/ 52).


منصور 03-14-2019 06:06 AM

جزاك الله كل خير
يعطيك العافيه على لطرحك القيم
لك مني كل التقدير
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ارق التحآيآ لسموك

قطرات المطر 03-14-2019 11:08 AM

بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب

عطر الزنبق 03-17-2019 03:23 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المميز (المشاركة 450015)
جزاك الله كل خير
يعطيك العافيه على لطرحك القيم
لك مني كل التقدير
وبآنتظار روائع جديدك بكل شوق
ارق التحآيآ لسموك

http://www.anaqamaghribia.com/pic/im...7ctiretuwt.gif

عطر الزنبق 03-17-2019 03:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قطرات المطر (المشاركة 450041)
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز لك مني أجمل التحيات وكل التوفيق لك يا رب

http://www.anaqamaghribia.com/pic/im...7ctiretuwt.gif


الساعة الآن 02:30 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا